الصداقات كنوز وحصون.. ولكن!

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 8 يونيو 2021 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

معلمتى الأعز، أعود إليك بعد غياب قضيت بعضا منه فى سعادة غامرة. أعود ومعى الشىء الذى أظن أنه سوف يبدل من شأنى. تذكرين طبعا رسالتى إليك قبل عشر سنوات وفيها رحت أزف لك خبر وقوعى على شىء ظننت وقتها أنه سوف يغير مجرى حياتى، وبالفعل وكما تعرفين، تغير المجرى. كان الشىء واحدا فى الواقعتين، ففى الأولى أى قبل عشر سنوات حدث أن قابلت الرجل الذى وقعت فى حبه، فكان الحب الذى فتح أبواب سعادة كانت غائبة عنى، أو كنت أنا الغائبة عنها. وفى الواقعة الثانية كان الشىء هو نفسه، أى الحب مرة أخرى. إلا أنه لم يأت فى صحبة رجل كما فى المرة الأولى. أتى هذه المرة محمولا على كفى طفل أنجبته قبل أسابيع قليلة. تذكرين يا أغلى معلماتى ما كتبت عن الواقعة الأولى فى رسالة حاولت فيها التعبير عن مشاعر حب «طغى فى أيام قليلة وتكبر». لا شك أنك تذكرين هذه الكلمات التى حاولت بها تصوير الحالة التى غمرتنى بفعل هذا الشىء الذى اقتحم حياتى وراح يغير فيها ما شاء الرجل أن يغير وما عزمت أنا على تغييره. عزيزتى! اعذرينى إن عجزت عن تصوير حالتى فى أعقاب الواقعة الثانية بكلمات غير تلك الكلمات التى صورت حالتى فى الواقعة الأولى. الرضيع الراقد فى هذه اللحظة إلى جوارى فى فراشى اقتحم حياتى ومعه حب استطاع خلال ساعات أن يطغى ويتجبر.
•••
صديقتى وتلميذتى الأقرب إلى قلبى ونفسى،
نعم أذكر كيف تغير مجرى حياتك منذ أن وقعت فى حب هذا الرجل، أقصد طبعا زوجك الحالى. ولا شك أن إنجابك طفلكما الأول ولو بعد عشر سنوات يثبت هذا المعنى. تعيدنى رسالتك إلى موضوع طالما حاز على اهتمامنا وهو هيراركية الحب وهى الهيراركية التى تظهر لنا أحيانا فى ترتيب أفقى وأحيانا نرتبها رأسيا. كنا نقول أن الحب الرومانسى، أى الحب العادى الذى تعارفنا عليه منذ القدم، الحب بين الرجل والمرأة، يحتل الموقع الأهم فى تراتيب الحب. يأتى بعده حب الأمومة والأبوة وبخاصة حب الرضيع لأمه، يليه حب العائلة ومنه حب الأشقاء. القائمة تطول. فهناك من يستطرد فى القائمة فيضم إليها حب العائلة الممتدة من أبناء عمومة وأقارب شتى وانتهاء بحب القبيلة والوطن. أنا شخصيا لا أرتاح لفهم الحب كشجرة لا يعدو الحب الرومانسى بين رجل وامرأة كونه فرعا من فروعها. اتفقنا وقتها على أن الحب الرومانسى شجرة كاملة الفروع، لا علاقة لها بالضرورة بحب الأطفال والأبناء عموما والأقارب أو بحب الوطن. تذكرين ولا شك أحد أحلامك وأنت تلميذة فى سن المراهقة. تذكرين كم مرة تحدثنا عن الرجل سعيد الحظ الذى سوف يبادلك الحب. ومع ذلك حذرتك مرارا من مغبة المبالغة فى توقعاتك لهذه العلاقة التى سمعتك مبكرا تطلقين عليها توءمة الروح وتطلقين عليه وهو ما زال فى الغيب «توءم روحى».
•••
معلمتى الرائعة،
دعينى أصارحك فليس غيرك من أصارحه وأستودعه خفايا نفسى وحياتى. أعتقد أن الواقع الذى أعيشه فى هذه اللحظة يكشف عن حقيقة نضجت عبر مراحل وتأكدت أخيرا. الرجل الذى تعرفين وهو الرجل الذى انتظرت اقتحامه حياتى تعرضت مشاعرى تجاهه لظروف أثرت فيها. كلانا كان ولا يزال يمنح عمله خارج البيت وقتا وجهدا خارج المعتاد والمألوف. كلانا أقام علاقات حول العمل ونسج شبكات اجتماعية لا تضم الطرف الآخر لاختلاف التخصص والميول ودرجة التعليم. من فضلك أضيفى إلى هذه الظروف ظرفين استجدا فى الشهور الأخيرة، أحدهما ظرف العزلة التى فرضتها طبيعة الحمل الذى صادف بدوره حملات التصدى لفيروس الكوفيد 19. ثانيهما وصول الرضيع الذى انضم طرفا ثالثا دافئا فى علاقة عائلية باردة. كان الظن أو المتوقع أن يكسح الطفل جليد العلاقة العائلية ولكنه فشل.
•••
صديقتى،
أخطأت عندما كتبت فى رسالتى السابقة أن مجئ الطفل بعد عشر سنوات يثبت أن مشاعر الحب الرومانسى بينك وزوجك، توأم نفسك وروحك، ما تزال مشتعلة. كنت أجامل. لا شك أنه لم يغب عنك تنبيهى لك بأن لا تبالغى فى توقعاتك من زواج أقامه حب رومانسى. أدركت بخبرتى وتجاربى العتيقة وبعد لقائين معكما فى بيتك ثم فى بيتى، أن أمورك العاطفية لم تكن على ما يرام، أو على الأقل أنها مثل أغلب العلاقات الزوجية فى عصر عمل المرأة وضغوط السوشيال ميديا تتعرض للتهديد. كنت عرفت من مصادرى، وكلها تشاركنى الحب لك، أن علاقة صداقة قوية صارت تربطك برجال ونساء فى العمل وخارجه. عرفت أيضا أنك كنت تقضين مع أصدقائك الوقت الأفضل والمجدى.
هل يجدد الطفل عهود الحب فى حياتكما؟ السؤال يجب أن يكون على الشكل التالى: هل يتجدد الحب؟ هل سمعت عن حب فاتر عاد ملتهبا؟ أنا شخصيا لم أسمع. لن أحمل علاقات الصداقة القوية مسئولية ما انتهى إليه الحب فى بيتك. الصداقات الطيبة لا تهدم قصور الحب وكنت أنا نفسى شاهدة على صداقات رممت شروخا وخففت من آثار صدمات وهزات عنيفة وملأت فراغات. أسمع عن صداقات لولا وجودها لتسربت إلى الشقوق الطارئة فى جدران الحياة الزوجية طفيليات تقيم وتتكاثر وتدمر.
الصداقات كنوز وحصون. ولكن أدعوك يا صغيرتى أن تنتبهى إلى أن الكنوز وحدها لن تشبع جوعا، وإلى أن الحصون التى تحمى وتصون يمكن أن تقع هى نفسها فى حب من تحمى وتصون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved