ما بعد قانون (أبو حامد)

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الإثنين 8 مايو 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

(١)
الظاهر على السطح أن موجة الهجوم على الأزهر مؤسسة وشيخا آخذة فى الانحسار.. يشهد لذلك حالات الاحتفاء المتكررة بالشيخ الطيب فى أى مكان حل به، وانبراء ثلة وإن كانت قليلة من الإعلاميين للدفاع عنه أو على الأقل الكف عن الخوض فيه مع من يخوضون، وأخيرا إعلان وفد برلمانى كبير يتجاوز المائتى عضو عن اعتزامهم زيارة الشيخ لإعلان تبرئهم من قانون أبو حامد المشبوه.. ثمة تساؤلات حائرة يتداولها رجل الشارع.. هل كان الهجوم فى الأصل منظما، أم أن إراداتٍ عدة قد تلاقت كل حسب هدفه واستغلت ضوءا أخضر (سلطويا) لتصفية حساباتها مع الدين نفسه مجسدا فى هيئة الأزهر.. هل الهدوء الظاهر الآن نوع ٌمن مناورة التقاط الأنفاس أم أن القابعين خلف الستار قد فاجأتهم صلابة الشيخ والمؤسسة والتفاف الناس حولهما.

***************************
(٢)

لست أشك للحظة أن المكتب الممثل للفاتيكان فى مصر قد قام بدوره بشكل احترافى فى ترجمة كل كلمة قيلت عن شيخ الأزهر مقروءة كانت أو مسموعة ودفعوها إلى البابا قبل زيارته.. قد نقلوا إليه قبل زيارته ولا ريب أنباء المحاولة الفاشلة لتحميل الأزهر وزر التقصير والإهمال وأشياء أخرى تقف خلف تفجيرات الكنائس الدامية.. فهل أدرك بابا الفاتيكان حجم الأزهر وشيخه كما لم تدركه الأجهزة المعنية عندنا؟ ربما يكفى مشهد البابا وهو يضم إلى صدره شيخ الأزهر بالشكل الذى لفت أنظار العالم كله وعلقت عليه كبريات الصحف بل علق عليه الفاتيكان نفسه واصفا إياه بالدلالة الرمزية على التقدير البالغ لشخص الشيخ.

***************************
(٣)

لو تنزلنا فى الخصومة لاعتبرنا الأزهر قوة ناعمة بالمصطلح السياسى الشهير، وهو الذى يتجاوزه الأزهر بكثير.. لكن لو افترضنا ذلك فلسوف يشهد علينا تاريخنا المعاصر بالفشل الذريع فى استغلال تلك القوة لفتح أى من الأبواب الموصدة فى وجوهنا إقليميا وعالميا.. هل فكر القائمون على الأمر بالبحث والتنقيب فى سجلات الأزهر عن بيانات الطلبة الوافدين الذين صار منهم اليوم متنفذون فى أعلى الهرم الإدراى لدولهم؟ إفريقيا وحدها لها من هذه الفئة قدر لا بأس به فضلا عن إندونيسيا وماليزيا؛ فهل ندرك حجم التأثير الذى نمتلك لو كلفنا أنفسنا فقط بمراجعة البيانات ووضع خطة التواصل عن طريق الأزهر وروابطه العالمية؟

***************************
(٤)

أحيانا تُضطر لذكر أسماء بعينها مع تسليمك أن فى هذا رفعا لهم فوق المكانة التى يستحقونها.. الكثيرون لا يحبون ذلك معتبرين أن فى هذا تحقيقا لما طمع إليه النكرات وأصحاب النفسيات المشوهة والجهلاء من الاشتهار ولو باللعن.. حسنا أتفق مع هذا المسلك جدا، لكن الأمور الآن صارت معقدة لدرجة يصعب معها استخدام الإشارات أو الصيغ الفضفاضة تاركا للقارئ مهمة ربط الصور بأصحابها.. تحتاج أحيانا إلى التصريح متحملا العبء الثقيل على النفس.
(أبو حامد) هو برلمانى حالى تعرف مصر من أولها لآخرها علاقته التى لم يخفها يوما برجل الأعمال القبطى مثير المشكلات وأحد مسعرى الفتن فى السنوات العشر الأخيرة ( نجيب ساويرس).. كل هذا لا يهم وإن كانت تجدر الإشارة إليه.. إنما المثير حقيقة أنك حينما تسمع الرجل يشرح والزبد يتطاير من شدقيه حماسة، وأوداجه تنتفش نشوة مبررا هجومه على الأزهر، لا يمكنك أن تدفع من مخيلتك صورة نفس الشخص وهو يقبل بنفس الحماسة يد بابا الكنيسة المصرية فى مشهد يتكرر مع نهاية كل عام وتحتفظ ذاكرة اليوتيوب به لمن أراد التغافل أو التعامى.. مكمن الإثارة أن الفلسفة الرئيسية لأبى حامد فى قانونه (الُمجهض) اللف والدوران حول (الكهنوت) والادعاء بأن خفافيش الظلام تحاربه لأنه يبشر بإنهاء (كهنوت) الأزهر.. تخيل المفارقة!

***************************
(٥)

القانون لن يمر بالتاكيد.. وعندى ثمة شك أن من دفع أبو حامد لتبنيه كان يعلم ذلك ابتداء.. أو أنه لم يكن يهدف من وراء ذلك إلا جس النبض أو خلخلة التربة قبل موجة جديدة من الهجوم.
هل سينتهى الأمر عند هذا الحد؟ هل سيعى القائمون على الأمور أن الأزهر ليس جهازا إداريا تعلوه الدولة وأن شيخه ليس موظفا عموميا يُسلط عليه أمثال أبو حامد؟ هل سنفهم حجم الأزهر فنتعامل معه التعامل الأمثل بغض النظر عن رؤيتنا للدين نفسه؟

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved