مجتمعنا الليبى… كثرة الشايدة مع قله الفايدة

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 7 فبراير 2017 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

من ضمن الأشياء التى ينبغى علينا التوقف عندها ومراجعتها وتصحيحها وإن أصبحت جزءًا من الثقافة؛ حيث اعتبرها من الإخفاقات والمورثات القبلية التى ابتلينا بها فى مجتمعنا، بل وأحد مسببات فشلنا، وهى كثرة المتعلمين وقلة الإنتاجية أو كثرة التفاخر وحتى الصراخ والشكوى والعياط المصاحب لأعمالنا مع قلة مردوديتها!


إن المجتمعات المتخلفة ــ ومجتمعنا الليبى أولهم ــ نجدها دوما يكثر فيها الضجيج وعلو الصوت فى خطاباتها وتصرفاتها وتركز فقط على تزيين وتغيير القشور والشكليات دون إصلاح اللب، ناهيك عن المبالغات والمفاخرة التى تصاحب ذلك العمل، وهذا إن دل فإنه يدل على بدائية التفكير وانحراف خطير فى السلوك!!


إن مجتمعنا الليبى مثلا لو عددنا إمكانياته البشرية من خلال المسميات والاحصائيات والمؤهلات على الورق (هذا بغض النظر عن الامكانيات المادية والثروات الطبيعية) لكان من الطبيعى أن يكون متطورًا، ولربما يكون تصنيفه كاليابان أو حتى سنغافورة على أقل تقدير!! ولكن عندما نأتى للواقع نجد أن اخفاقنا فاق حتى إخفاق دولة الصومال أو أفغانستان والعراق مع كامل احترامى لهم؛ فهم ضحايا مثلنا ليس لقلة التعليم بل لوجود فكر متحجر وثقافة جهوية وقبلية وطائفية اتكالية بالية تم ربطها بالدين والمعتقد ونتحمل فى وزرها، وتفتك يوميا بأرواحنا ومع هذا ليست لنا الشجاعة لمواجهتها أو إعادة فهمها أو التخلص منها.


هذا نلمسه ونعيشه يوميا فى حياتنا حتى من خلال تعاملنا الروتينى وحديثنا لبعضنا البعض؛ فمعظمنا لا يعرف الحديث إلا بصوت عال سواء كنا فى بيوتنا أو حتى فى الشارع أو الأماكن، حتى فى تجربتنا القصيرة مع الديمقراطية؛ ارجعوا لأرشيف جلسات المؤتمر والبرلمان وشاهدوا موجات الهستيريا والصراخ عند أغلب النواب، وكيف تتحول الجلسات لحظيرة أغنام كل يلعلع ويقاطع ويصيح ويتهم ويسب بأعلى صوت بدون أن يفهم أحدهم الآخر. ونتج عن ذلك الموروث والسلوك قسمة البلاد وسرقتها وضياع هيبتها وشرذمتها وأصبحنا كرتونيات بشرية أو كومونات على حد قول (القذافى) وجهويات كل قابع فى مربطه وينظر بمفهومه ولاهٍ بمشاكله وانهار مفهوم الدولة الوطنية الجامعة٠


***
زد على ذلك كله ثقافة التفاخر الكاذب حتى وإن كانت أحوالنا توحى بالعكس، الكثير يجرى ويلهث ليتحصل على فرصة ليسبق اسمه صفة «طبيب، مهندس،.. ليس لتقديم الإفادة أو حتى لأخذ زمام المبادرة ليساهم فى تعليم أو خدمة بلده بما تقتضيه واجبات الحصول تلك الدرجة، بل يلهث وراءها ليدخل بها نادى المفاخرين عند قبائلهم وأسرهم وزوجاتهم وبناتهم، فأصبحت عندنا الدرجات العلمية كصفات البيه والباشا فى عهد الترك. ومع كل تلك الشايدة التى يرددها مجتمعنا على نفسه ويفاخر بها فى أبنائه تجده أيضا هو أول من يصرخ من انهيار الخدمات وضعف الكوادر، وفشل كل مرافق الدولة الخدمية والصحية والمصرفية والتعليمية والعسكرية والأمنية.


هذا يجعلنا نطرح تساؤلات مهمة وينبغى على كل الليبيين تدبرها بعقولهم!! كيف نريد لدولتنا النجاح والنهوض من كبوتها ونحن أكثرنا يقف منها موقف المنظر والمتفرج؟؟ فكيف مثلا من عسكرى أو شرطى سوى كان ظابطًا أو فردًا يتقاضى فى مرتبه ونائم فى بيته وينتقد فى تسلط المليشيات وهو تارك لهم المجال؟ وكيف أيضا أن يكون هذا الطبيب أو الدكتور أو الأستاذ كل حسب تخصصه أوفدته دولته وصرفت عليه وقبع فى البلاد التى درس فيها وينتقد الآن وسابقا فشل الطب والتعليم والإدارة فى هذه البلاد؟ بدون التحجج بالمبررات والتعليق على اكتاف (القذافى)!! يشهد الله وهذه شهادة سوف نحاسب عليها أمامه أنه كان يوفد فى الطلبة للدراسة فى الخارج وفى كل التخصصات وعلى حساب الدولة، ومع هذا أكثرهم لم يسهم بأقل القليل فى مساعدة بلده حتى بعد انتهاء وسقوط الحكم السابق!! كيف بمن يدعى أنه مناضل أو شيخ دين يخاف الله «ويحاضر من خارج بلده» أن يدعى بعد ذلك بأن البلاد لعبت بها صبيان وشيوخ السياسة؛ وأنا أقصد المناضلين والشيوخ الشرفاء الذين لم يتقاضوا ثمن على سنوات سجنهم أو يطالبوا بمرتباتهم المتأخرة بعد أن فروا وتركوا أعمالهم بإرادتهم وطلبوا اللجوء!! وكيف بمن يقولون عن أنفسهم «ثوار شرفاء» وهم أول من رفع السلاح فى وجه النظام السابق وغايتهم فقط الله والقانون والشفافية والعدل وحرمة ليبيا وسيادتها بأن يتركوا المجال للمتسلقين وأصحاب السوابق ليستحوذوا على المشهد؟ كيف بقانونى أو مستشار أو محام يدعى أنه نزيه ويترك بلده وعمله وبعدها يتحجج بأن القضاء والرقابة فاسدة؟


وأخيرا وهذا المهم كيف بشعب يدعى أنه حر بجميع أطيافه وأنه ثار وقاد ثورة على الظلم يستكين ويصمت على الذل والجلد أمام المصارف والجوازات، وتقطع عنه الكهرباء ويعبث معه اللصوص وتفتك روحه ورزقه وعرضه يوميا المليشيات، ويشاهد بلده يتمزق وتسرق ومنتهكة من الارهاب والمخابرات العالمية ولا يحرك ساكنًا ولو باعتصام شعبى يعم كل البلاد!!


ومن كل المعطيات والتساؤلات ولو تدبرناها واجبنا عليها بعقولنا ومن واقعنا المعاش وعجزنا سوف نستنتج أننا كلنا وبجميع مكوناتنا لم نكن أهلًا لإدارة دولة فى يوم من الأيام لأننا أصلا لم نحقق أو نرسم أو نخطط أى أساس من أساسيات تلك الدولة الحديثة بمفردنا وحكمة عقولنا وأكثركم يعرف هذا ولا يحاول مواجهة نفسه به ولهذا وكما يقال ما تم الحصول عليه بالساهل يذهب بالساهل!! حتى فى ثورتنا على القذافى لولا النيتو (حلف شمال الأطلسى) ما اكتملت.

ليبيا المستقبل ــ ليبيا
جمال التاغرمينى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved