تساؤلات سياسية فى الأزمة الاقتصادية

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الثلاثاء 6 سبتمبر 2016 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

فى المسافة ما بين القاهرة وأزمتها الاقتصادية المستحكمة و«هانجتشو» حيث عقدت قمة العشرين، التى تضم أقوى اقتصادات العالم، تبدت أسئلة جوهرية لا يصح إغفال رسائلها، أو تجنب الإجابة على تساؤلاتها.


رغم أهمية الحضور المصرى فى قمة العشرين إلا أنه لا يؤشر بذاته على انفراج يخفف من حدة الأوضاع الحرجة، فلكل انفراج أسباب تساعد عليه وحسابات تتخطى لغة الأرقام إلى حقائق السياسة.


السؤال الأكثر جوهرية: ما الأسباب التى استدعت دعوة بلد يعانى اقتصادها بقسوة للمشاركة فى أعمال قمة تحتكر دولها الاقتصاد العالمى كله؟


الإجابة الأكثر منطقية: رهانات المصالح الصينية ولا شىء آخر.


لم تكن مصر وحدها على قائمة ضيوف الشرف والدعوات خضعت بالضرورة لتدقيق فى حسابات المصالح المستقبلية.


بالنظر لموقعها الاستراتيجى المحورى فى الشرق الأوسط وإفريقيا فلا يمكن للصين، التى تتطلع لتصدر التصنيف العالمى كأقوى قوة اقتصادية، أن تتجاهله، أو تغض الطرف عنه.


قوة مصر فى موقعها الفريد على خرائط الجغرافيا السياسية لا فى اقتصادها العليل الذى تدفع مؤشراته إلى شىء من التعاطف والرثاء فى أفضل الأحوال.


حسب دبلوماسيين مطلعين على دوائر النفوذ والقوة فى العاصمة بكين فإنهم أخذوا تصريحات الرئيس «عبدالفتاح السيسى» عن التطلع لبناء شراكة استراتيجية كاملة باهتمام بالغ، غير أن وقتا طويلا مضى دون أن تتأسس أية أوضاع جديدة لها صفة استراتيجية تتجاوز ما هو مألوف فى العلاقات بين البلدين على مدى العقود الماضية.


بمضى الوقت خفتت الرهانات الصينية على التحولات الجارية فى مصر وغلبت نظرة أقل تفاؤلا غير أن رصيدها فى الحكمة المتوارثة دعاها إلى الانتظار الطويل.


أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت من دعوة مصر إلى قمة العشرين.


ماذا تعنى علاقات استراتيجية؟


أن تفتح كل الملفات ذات الاهتمام المشترك، أين نقاط الاتفاق فنوسعها.. وأين نقاط الخلاف فنعمل على تذليلها؟


أن تكون هناك خطط عمل مستدامة لا موسمية، أفقها مفتوح على التفاهمات الممكنة.


أسوأ خيار ممكن التوقف فى منتصف الطريق، أحاديث عامة عن «علاقات استراتيجية» لا تعنى شيئا ممسوكا وأحاديث أخرى تدعو الصينيين للاستثمار فى محور قناة السويس ورفع نسب التبادل التجارى دون أدنى آفاق تضمن المصالح المشتركة على مدى طويل نسبيا.


أرجو أن نتذكر أن شركات صينية أبعدت لأسباب غير واضحة وغير مقنعة عن عمليات التكريك فى مشروع توسيع قناة السويس، كما جرى استبعاد أخرى فى مشروعات حيوية لصالح شركات أوروبية دون أن تكون هناك قواعد تضمن شفافية المنافسة.


بلا قواعد معروفة وشفافة لا أمل فى أى انفراج اقتصادى على المدى المنظور.


وبلا أفق ينفتح على الحقائق الجديدة فى الإقليم والعالم ويعرف كيف يتعامل معها فإن الفرص التى تلوح قد تهدر بفداحة.


بقدر هيبة الدور تضخ الاستثمارات وتبنى المصالح المشتركة.


لا يصح أن نكابر أمام الحقائق، فالدبلوماسية مكبلة بحسابات ضيقة، وتدور بذات المكان بلا قدرة على اختراق أو مبادرة.


غياب المبادرات الإقليمية جزء من الأزمة الاقتصادية المصرية.


على سبيل المثال لا يخفى الجانب السياسى بأزمة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء التى أضرت على نحو كارثى بالسياحة ورصيد العملات الأجنبية.


أبدت موسكو فى البداية اعتراضا معلنا على الإجراء البريطانى بمنع سفر الرحلات السياحية لشرم الشيخ قبل أن تتشدد بأكثر من لندن.


لم تكن الأسباب فى إجراءات السلامة بالمطارات المصرية، هذه بعض الأسباب وليست كلها.


الحقيقة أن تراجعا روسيا قد جرى فى مستوى الرهان على النظام الجديد فى مصر.


رغم اتفاق المواقف فى الخطوط العريضة بالأزمة السورية إلا أن الدبلوماسية المصرية لا تحركت ولا بادرت ولا دخلت طرفا رئيسيا فى حركة الحوادث العاصفة.


غير أن الموقع المصرى، الذى لا يمكن الاستغناء عنه فى أية استراتيجية دولية، يوفر الفرصة تلو الأخرى.


أخطر ما قد يحدث استنزاف رصيد الثقة فى أوقات حرجة.


لم تكن مفاجأة أن يبلغ الرئيس «فلاديمير بوتين» نظيره المصرى عن قرب إرسال وفد روسى يراجع الإجراءات الأمنية فى المطارات المصرية قبل رفع الحظر عن الرحلات السياحية.


الخطوة اللافتة تتسق فى منطقها السياسى العام مع ما اتبعته مع الرئيس التركى «رجب طيب أدروغان» من تحريك للرحلات السياحية رغم أن مطار «أتاتورك» فى اسطنبول تعرض لحادث إرهابى مدوٍ لا يقارن فى خطورته مع ما جرى فوق سيناء.


المصالح الاستراتيجية أولا وأخيرا وراء مثل هذه الخطوات وسوريا هى نقطة التركيز فى السياسة الخارجية الروسية.


تلك الحقيقة تستتبع مراجعة حقيقية للسياسات التى استدعت تراجعا فى مستوى الرهانات الروسية كما الصينية على الدور المصرى حتى نحفظ للفرص مداها.


هناك فارق بين الانفتاح على كل المراكز الدولية وبين المناورة بالورقة الروسية للعودة بأسرع وقت للدول الغربية.


المناورة الزائدة بلا بوصلات تربك كل شىء بما فيها ثقة الأصدقاء والحلفاء.


بالنسبة لبلد مثل مصر فإن الاستثمار الاستراتيجى هو أساس كل شىء.


لا يصح رهن قرارها أو تكبيله، فذلك يسحب من كل رصيد.


وضوح الأفكار والتصورات فى الإدارة الإقليمية بذات درجة أهمية وضوحها فى الإدارة الاقتصادية.


فى إدارة العلاقات الإفريقية ارتباكات أخطر وأفدح، اقتراب ثم صمت، انفتاح يعقبه نسيان، لا توجد سياسة يعتد بها منتظمة ودءوبة ترفع من مستوى المصالح المشتركة.


بحسب سفيرين تتابعا على منصب مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية فإننا «نتحدث بأكثر مما نفعل».


فى أيام «يناير» الأولى اقترحت سفيرة جنوب أفريقيا فى مصر بتزكية من الرئيس «جاكوب زوما» زيارة وفد كبير من رجال أعمال بلادها والحوار بتوسع فى القاهرة عن آفاق التعاون المشترك، لم يلتقط أحد الرسالة، وتدهورت العلاقات تاليا بلا عمل جدى على تصحيحها، فالبلدان هما الأكبر فى القارة ووجود صلات قوية بينهما يساعد على حلحلة أزمة «سد النهضة».


فضلا عن ذلك فإن جنوب إفريقيا عضو فى «البريكس»، الذى يضم روسيا والصين والهند والبرازيل.


بحكم إرث التاريخ وجود مصر داخل «البريكس»، غير أن معدلات نموها أقل بما لا يقارن وأوضاعها الاقتصادية لا تزكى.


بحكم موقعها الجغرافى فإن وجودها إضافة جوهرية لدولها.


الفكرة طرحها مثقفون لبنانيون، نظروا فى الحقائق وحاولوا أن يبنوا عليها تصورات ومشروعات.


الأفكار بذاتها لا تكفى، فمصر تحتاج إلى إصلاح اقتصادى جذرى أولوياته واضحة ومساره مقنع والعدل الاجتماعى حاضر، وإلا فإنه الانهيار المحتم.


كما أنها تتطلب سياسة إقليمية تنظر فى العلاقات مع مراكزه باتساع رؤية يوظفها لمقتضى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية العليا.


فوق ذلك كله أن تكون هناك دولة حديثة، دولة مؤسسات وقانون وعدل اجتماعى، توسع المجال العام ولا تلغيه، تصنع التوافقات الواسعة بدلا من أن تعمق الكراهيات وتضع المستقبل على فوهة بركان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved