محاكمة حسنى مبارك عربيًا.. خيبة أمل شعبية و«زملاؤه» يتبادلون التهانى!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 6 يونيو 2012 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

تسمر ملايين العرب، خارج مصر، أمام شاشات الفضائيات ليتابعوا «صنع التاريخ بالقانون»، على حد توصيف بعضهم وقائع الجلسة الفريدة فى بابها والتى ستتوج محاكمة الرئيس المخلوع محمد حسنى السيد مبارك وعهده..

 

كانوا يقفزون بتمنياتهم من فوق التعثرات التى أضرت بصورة «الميدان» وأعجزته عن الإنجاز المرتجى، مفترضين أن هذا المشهد الحضارى الفريد فى بابه قد يعوض ما خسرته ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 من زخمها وجذريتها بانكشاف النقص فى كفاءتها أو تحديدا فى استعدادها لإنجاز المهمة بإسقاط النظام الدكتاتورى، برموزه وركائزه كافة وليس برأسه فحسب.

 

بدوا واثقين من القاضى الذى قدم نفسه منذ اليوم الأول للمحاكمة فى صورة تليق بالسمعة الممتازة ــ تاريخيا ــ للقضاء فى مصر، عندما يحرر نفسه من قيود ولى الأمر السياسى، سيختم مهمته بما يتناسب مع خطورتها كمساهمة جدية فى صناعة «الدولة الجديدة».

 

استمعوا بانتباه إلى المطالعة ــ المقدمة المكتوبة بعناية والتى أعطاها الصوت المتهدج للقاضى، الذى يدرك أنه إنما يخاطب التاريخ، مضمونا يليق بالمهمة التى ندبه لأدائها القدر، وسط الصمت المهيب السائد فى قاعة المحكمة المرتجلة وخارجها، متجاوزا حدود مصر إلى أربع جهات الوطن العربى، ومن خلفه عواصم القرار فى الكون جميعا.

 

مع نطق القاضى بعبارة «السجن المؤبد لمحمد حسنى السيد مبارك» علت الهتافات وأفلتت صيحات «الله اكبر» و«يحيا العدل» لتتكرر مع نطقه بالحكم ذاته على وزير داخلية الطاغية المخلوع حبيب العادلى..

 

بعد ذلك تبدلت لهجة القاضى وتبدل استقبال الجمهور داخل القاعة وخارجها، وسرى الغضب فى الحشد الذى كان يركز نظره وعقله وأحاسيسه جميعا فى أذنيه، قبل أن يتفجر عارما فى كل مكان، ليعود اليأس فيسيطر على الناس الذين كانوا يتابعون وقائع مشهد هو أجمل من أن يصدق، وهو بالتالى أخطر من أن يتحقق!.

 

●●●

 

فى لحظة انتبه الناس، داخل مصر وخارجها، أنهم ذهبوا بعيدا مع تمنياتهم وأحلامهم، فالثورة التى صودر ميدانها من قبل أن تكتمل لا تستطيع أن تنجز فى المحكمة ــ وضمن الظروف التى عاشتها خلال الشهور الستة عشر ــ ما قصرت عنه، سواء بسبب من اختلاف أهلها أو بسبب من نقص فى أهليتهم، وهم الذين تلاقوا من دون تخطيط ومن دون برنامج مشترك وبقيادات وقوى مختلفة فكريا وسياسيا إلى حد التناقض ــ ما لم يستطع الميدان أن يحسمه ويقرر فيه.

 

تفاقم الإحساس خارج مصر، تماما كما فى داخلها، بالخطر على الثورة من الاغتيال، أو تحوير مسارها.. واستقر فى اليقين ما كان موضع شك منذ فترة طويلة: المجلس العسكرى بكل ارتباكاته وطبيعة وظيفته وظروف وصول أعضائه إلى مواقعهم، وحرصهم على امتيازاتهم الكثيرة، لا يمكن أن يكون من الثورة وفيها... بل هو، بالتكوين، ضدها، وإذا كان قد امتنع عن مواجهتها فلأنه اضعف من أن يتصدى لتلك المهمة مباشرة، وهو قد نجح فى احتوائها ثم تواطأ على أهدافها، مستفيدا من تناقض فكرى وسياسى بين مكوناتها، عبر محطات محورية بينها: إرجاء مهمة وضع دستور جديد ليكون قاعدة ثابتة للتغيير، ثم التلاعب بالميدان عبر مناورات عديدة شملت تغييرات متواترة فى تشكيل الحكومة، وإشغال الناس بانتخابات مجلسى النواب والشورى، بحيث تقسمهم المصالح والمطامح، وتفرق صفوفهم الأغراض، أو يضرب اليأس تطلعاتهم، فيقبلون بالأمر الواقع، ثم يذهبون إلى الانتخابات الرئاسية وقد صار الميدان من الذكريات.

 

وهكذا، وبقوة الأمر الواقع، ينحصر التنافس على الرئاسة بين القوتين الأكثر تنظيما، والأغنى بالمال والقدرة على التأثير بالشعار الدينى، فى حين يتصادم الأبناء الشرعيون للميدان، فى صورته الثورية الأولى، خصوصا أنهم عجزوا عن التوحد أو حتى عن التلاقى على برنامج مشترك، بما جعلهم يواجهون بعضهم بعضا فى الانتخابات، بدل أن يواجهوا متحدين، وبمرشح واحد تتقاطع عنده مصالحهم المشتركة، مرشحى النظام القديم وشعار الإسلام السياسى... وهما، فى تقدير كثيرين، وجهان لعملة واحدة، وقد كانا على قدر من الشراكة داخل نظام مبارك.

 

●●●

 

وقع الحكم الذى أصدره القاضى أحمد رفعت على الناس، داخل مصر كما فى خارجها، وقوع الصاعقة، ورأوا فيه محاولة (جديدة) لاغتيال الثورة. وكان طبيعيا أن يتهموا المجلس العسكرى بالتدخل، وأن تتركز الاتهامات على النيابة العامة التى تذرعت بأنها لم تستطع تأمين الأدلة والبراهين الكافية لإدانة أركان وزارة الداخلية والذين يحملون المسئولية عن قتل المتظاهرين وعن تشويه صورة الميدان ومحاولة حرفه عن أهدافه التى جيشت الناس ودفعتهم إلى «الإقامة» فى الميادين حتى تحقيق المطالب.

 

ولقد فهم الناس، داخل مصر كما فى خارجها، أن الحكم يقدم تزكية مجانية لآخر رئيس للحكومة فى عهد مبارك، وهو الفريق احمد شفيق، بوصفه ضمانة لاستمرار الوضع على ما هو عليه... فشفيق هو ابن المؤسسة العسكرية، وسيكون حريصا ــ بالتالى ــ على الامتيازات الهائلة التى تتمتع بها، والتى كان ينظر إليها دائما على أنها «رشوة» تقدم للجيش حتى لا يهتم بالسياسة، وينشغل بالتقديمات التى يحظى بها ضباطه... خصوصا أن تنازلات النظام المتتابعة عن مقومات السيادة الوطنية كانت تخرج احتمالات الحرب أو المواجهة مع العدو الإسرائيلى من أى حساب، أما الصديق الأمريكى الكبير فيقدم المنح والسلاح والذخيرة والتدريب وكأنه «جمعية خيرية».

 

ماذا كان وقع الحكم على حسنى مبارك خارج مصر؟!

 

لنترك الجماهير تتجرع الإحساس بالخيبة والخوف على ثورة مصر، بل وعلى مصر ذاتها، التى لن تسكت عن اغتيال ثورتها..

 

لنلتفت إلى الحكام العرب وكيف تلقوا «الصدمة».

 

من المؤكد، بداية أن أهل النظام العربى من ملوك وأمراء وشيوخ، إضافة إلى ملوك الطوائف وأمراء الفتنة فى مختلف أرجاء الوطن العربى الفسيح، قد تلقوا هذا الحكم الذى حصر جريمة تغييب مصر عن دورها، بل وإلغاء هذا الدور الحاسم ،بشخص الطاغية منفردا ومعه جلاده بارتياح بالغ.

 

لقد شعر هؤلاء جميعا بأن أعلام الثورة قد طويت، واندفع بعضهم يهنئ البعض الآخر، والأرجح أن جميعهم قد تواصلوا مع المجلس العسكرى، فى صورة أو أخرى، مهنئين على «هذا الإنجاز التاريخى».. فهو قد نجح، أو يكاد،فى إفراغ الثورة الشعبية من مضمونها، عبر سلسلة الإجراءات التى اتخذها منذ أن ولى نفسه السلطة بديلا من رئيسه المخلوع، قبل سبعة عشر شهرا، فوفر بذلك فرصة لأعداء الثورة للانقضاض عليها وحرفها عن مسارها الذى بشرت به ملايين الميدان.

 

«الآن نستطيع أن ننام ملء جفوننا. لقد بقيت مصر حيث نريدها أن تكون. لن تزعجنا كوابيس الثوار وهم ينصبون المشانق لرجالات العهد الماضى، أو يقيمون المحاكمات الثورية التى كان مقدرا لها ــ لو تمت ــ أن تفضح أدوارنا داخل مصر وفى سائر أنحاء الأرض العربية».

 

●●●

 

كذلك فقد عم الارتياح أوساط الطوائفيين والمذهبيين، فى مختلف أقطار المشرق العربى، بعد الاطمئنان إلى أن الثورة قد أجهضت، وأن مصر ستظل فى غيبتها بعيدا عن دورها الذى لا تعوضها فيه أية دولة عربية، وبالتالى فإن قدرتها على التغيير فى محيطها ستتضاءل، مفسحة المجال أمام أنظمة الاستبداد العربى للتأثير فيها بذهبها وبمشاركتها فى الحصار الأمريكى ــ الإسرائيلى على مبدأ الثورة وقواها الحية.

 

وبالتأكيد فإن دعاة الفتنة الدينية أو الطائفية فى المشرق هم الآن أكثر اطمئنانا إلى أن مصر لن تعود للعب دورها القيادى، التحررى والتحريرى، فى منطقتها، وأنها ستغرق فى مشكلاتها الداخلية، سياسيا واقتصاديا وامنيا، زمنا طويلا، وبالتالى فلا خطر منها على الذين هاجروا من هوياتهم وتخلوا عن مصالح بلادهم للأجنبى.

 

وحدها إسرائيل جاهرت بارتياحها، وتخلت عن لهجة التهديد التى كانت اعتمدتها مع احتمال أن يتوحد الميدان خلف مرشح واضح الهوية، عربيا، وواضح النهج الإصلاحى الجذرى، داخليا.

 

وفى تقدير أى مواطن عربى معنى بشئون مصر، باعتبارها الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادة هذه الأمة، ان فوز أى من المرشحين للرئاسة، سواء الإسلامى أم العسكرى، لن يعنى له احتمال التقدم على طريق أحلامه أو تمنياته.

 

●●●

 

سيكون، أمام الناخب المصرى خيار من اثنين أحلاهما مر..

 

أما بالنسبة للعربى خارج مصر فما زال يأمل فى أن يكون للميدان دوره فى الغد، من أجل استكمال مهمته...

 

والكلمة للميدان بعد... أو هكذا يتمنى العربى خارج مصر، مفترضا أن تلك هى أمنية المواطن المصرى أيضا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved