عن أوهام انتقال السلطة وتصفير السياسة فى مصر


أشرف الشريف

آخر تحديث: الأحد 6 مايو 2012 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

تضج الساحة السياسية المصرية الآن بشتى أنواع الصراعات المتباينة بين القوى المختلفة وعلى محاور متعددة ولعل أهمها هما محورى عملية تشكيل اللجنة التأسيسية المكلفة بكتابة الدستور الجديد والتنافس الشديد فى الانتخابات الرئاسية القادمة فى أواخر مايو الجارى والمخطط لها رسميا أن تكون المحطة الأخيرة فى مسار نقل السلطة فى مصر ويقوم هذا المقال بتقديم رؤية تحليلية لهذه الصراعات مع إطلالة ختامية على الأوهام المصاحبة لما يسمى بعملية إنتقال السلطة فى مصر والتى هى فى حقيقة الأمر عملية «جرى فى المكان» من نظام شائخ مازال مصرا على تصفير السياسة فى مصر ورفض أى تغيير جدى يتتطلب أول ما يتطلب إيجاد مجال سياسى حقيقى يربط السياسات العامة للدولة بإرادة القوى الشعبية المختلفة وتمثيلاتها السياسية.

 

يبدو أن الإخوان هم حجر الزاوية فى موضوع اختيار اللجنة التأسيسية للدستور ومن ثم فهم وحدهم يمتلكون القدرة على تعطيل أو تسريع عملية اختيار هذه اللجنة... السلفيون أكثر تساهلا بقدرما من الإخوان وعندهم استعداد أكبر للتوافق مع القوى غير الإسلامية فى اختيار التأسيسية وهذا برجع لأن السلفيين لا يخوضون أى معركة من أى نوع حاليا. معركة الانتخابات الرئاسية ليست معركتهم ولا يهدفون منها إلا تحقيق أحد أمرين: أولا التنظيم الإخوانى لا يحقق الهيمنة الكاملة على مؤسسات الدولة وبالتالى يتجنبون السيناريو الإيرانى لدولة المرشد لكن فى نفس الوقت التيار الإسلامى فى مجمله لا يخسر انتخابات الرئاسة ومن هنا إعلان الدعوة السلفية (كبرى الجماعات السلفية فى مصر) تأييدها للإسلامى المستقل عبدالمنعم أبوالفتوح على حساب محمد مرسى مرشح الإخوان والأقل قبولا على المستوى الشعبى والنخبوى أيضا... وعلى الجانب الآخر يريدون أن يتجنبوا حل البرلمان (بعدما كثر الحديث عن عدم دستورية قانونه الانتخابى وستفصل المحكمة الدستورية العليا فى هذا الأمر فى السادس من مايو) كى لا يخسروا حصتهم الحالية فى النظام السياسى فبالتالى هم يرحبون بأى إجراءات للتهدئة فى موضوع التأسيسية لكى يتجنبوا انهيار المسار الانتقالى يعنى بيتحركوا باستراتيجية الحد الأدنى.

 

القوى الحزبية غير الإسلامية أيضا معركة انتخابات الرئاسة ليست معركتها ولكن الفارق هو أنها تفتقر إلى أى حصة مؤمنة ومعتبرة فى النظام السياسى أصلا فهى تعتبر تأمين أى وجود لها داخل التأسيسية أمام تغول الإخوان هى مسألة وجودية ومن هنا إصرارها على رفض الإقصاء.

 

الإخوان يتحركون بمنطق الشد والجذب فهم يوافقون بالأمس فى اجتماع مشترك مع باقى الأحزاب على معايير توافقية لاختيار التأسيسية لإظهار المرونة والرغبة فى التوافق والتفاهم ولكنهم يتشددون اليوم ويرفضون المعايير عبر اللجنة التشريعية بالبرلمان فى محاولة للضعط على المجلس العسكرى للحصول على مكاسب سياسية أكبر إما لتمرير بعض السياسات العامة المرجوة أو الحصول على وعود بمواقع سياسية داخل السلطة التنفيذية أو أى مكاسب سياسية أخرى يمكن أن يتم التفاوض عليها. لكن تبقى تلك المعارك ثانوية بالنسبة للإخوان لأنهم يدركون أن الدستور فى جميع الأحوال ستتم كتابته فى ظل وجود الرئيس الجديد إذن فمعركتهم الحقيقية الآن هى معركة انتخابات الرئاسة ورهانهم الحقيقى هو على قدرتهم على الفوز بها. وهذا يبدو مدهشا للمتابع الذى يدرك إن فرصة محمد مرسى فى الفوز ليست كبيرة بأى حال من الأحوال وخاصة بعد رفض الدعوة السلفية تأييده (وهو ما عرفه الإخوان مبكرا بلا شك). وحتى لو فازوا بها فهم خاسرون أيضا. لأنهم سيعجزون عن تحقيق التغيير المنشود بالسرعة والكيفية المطلوبة. فهم خاسرون إذا فازوا بها وخاسرون إذا خسروها.

 

●●●

 

فى جميع الأحوال الرئيس القادم أيا كانت هويته (فى حالة إذا ما أقيمت ولم يتحجج المجلس العسكرى لتأجيلها وهو احتمال قائم) سيأتى فى ظل غموض دستورى ومؤسسى حيث لا دستور جديد والإعلان الدستورى القائم لا يحدد شكل العلاقة بين الرئيس والبرلمان (ولهذا السبب تحديدا قد يصدر العسكرى إعلان دستورى جديد) والأهم أنه ـ بحكم إفتقاره إلى التنظيم السياسى باستثناء مرشح الإخوان ـ سيعجز عن تحقيق أى تغيير فى السياسات التنفيذية للدولة لأنه سيفتقر للقوة السياسية والتنظيمية الكفيلة بتفكيك الشبكات البيروقراطية الحاكمة للنظام وأجهزته الإدارية والتنفيذية وبالتالى سيعجز عن امتلاك سلطة التعيين والعزل والمحاسبة داخل أجهزة الحكم والإدارة تلك السلطة اللازمة لوضع السياسات وتنفيذها وتخصيص المخصصات والموارد الحكومية والمجتمعية. يعنى باختصار لن يتغير أى شىء فى طبيعة السياسات الحكومية العامة عن تلك المتبعة سابقا طالما عجز الرئيس المنتخب عن فك شفرات البنية التحتية لأجهزة ومؤسسات الحكومة. القوة الوحيدة القادرة تنظيميا على البدء فى مواجهة شبكات النظام هى الإخوان لكنهم لن يفعلوا هذا لسببين: أولا هم فى تقديرى لن يفوزوا بانتخابات الرئاسة نظرا لضعف شعبية مرشحهم محمد مرسى وافتقاره حتى إلى وحدة الصف الإسلامى ورائه وبالتالى لن يصلوا للسلطة التنفيذية وثانيا هم أصلا لا يرغبون فى هذا لأسباب تتعلق بطبيعة تكوينهم الإجتماعى والتنظيمى والاقتصادى المحافظ الذى يرفض تجذير سياسة التغيير أو الدخول فى صدام مؤسسى ومجتمعى واسع حتى لو كان هذا هو السبيل الوحيد لأى تغيير حقيقى. وأخيرا تبقى هناك بؤر محتملة للاضطراب الاجتماعى الذى قد يخرج عن السيطرة مثل أنصار حازم أبوإسماعيل (الفاعل السياسى الجديد الوحيد على الساحة فى الشهور الأخيرة) وحركة الاحتجاجات العمالية وغيرها مما قد يزيد من الميل المحافظ للنظام والكاره للتدافع الشعبى من الأساس.

 

●●●

 

إذن بهذا المعنى فالفترة الانتقالية لن تنتهى أبدا وتسليم السلطة الحقيقى لن يحدث والسلطة التنفيذية الحقيقية لن تنتقل لأى جهة منتخبة شعبيا بغض النظر عن إقامة الإنتخابات من عدمه وبغض النظر عن نتيجتها والعسكريين لن يتولوا الحكم التنفيذى بشكل مباشر وشامل على الطريقة الناصرية لأنهم لا يقدرون على تحمل تكلفة هذا ولا يرغبون فيه أصلا بحكم تأكل القدرة الرعوية والتوزيعية لجهاز الدولة بالإضافة إلى تراجع القدرة على الضبط والقمع الأمنى الحاكم لكن على الجانب الآخر سيمانع العسكريين فى أى انتقال حقيقى للسلطة التنفيذية إلى طبقة سياسية حاكمة جديدة لأن هذا الانتقال قد يهدد مصالحهم وامتيازاتهم الخاصة والمؤسسية إذن فهم يرتاحون مع حالة الفراغ السياسى ويستكينون إلى تصفير المجال السياسى فى مصر بمعنى أن يصبح المجال السياسى الوليد (والمفترض منه أن يكون مجال سياسى تتمثل فيه القوى المجتمعية المختلفة عبر حركيات سياسية مختلفة تتدافع وتتفاوض بالأصالة عن نفسها ومصالحها بهدف تمرير سياسات دولتية لها توجهات وانحيازات محددة) يصبح مجالا هشا وغير ممأسس ومنبت الصلة بدولاب عمل جهاز الدولة والحكومة المنفصل كلية عن تدافعات السياسة. وعمليا مؤدى حركة نظام العسكر هو للسلطة التنفيذية فى مصر أن تبقى مشلولة ومجرد ثقب أسود أى تصبح موجودة وغير موجودة فى آن واحد (برلمان شبح ورئيس شبح) لأطول فترة ممكنة وهو وضع لن تتحمله مصر كثيرا بحكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التى تواجهها والتى تحتاج إلى عملية سياسية ما للتفاوض المجتمعى حول طرق مواجهة هذه الأزمات والأثمان المطلوب دفعها والمؤائمات اللازمة ومن ثم ضرورة خلق مجال سياسى من الصفر تقريبا.

 

●●●

 

وأخيرا تبقى الدولة المصرية العميقة ـ على كل أزماتها التاريخية وفقدانها للشرعية (شرعية القوة وشرعية الأداء) مع اندلاع ثورة يناير ـ تبقى هى رجل مصر المريض الذى سيستمر بقوة القصور الذاتى طالما ظل الفراغ مستمرا وطالما بقيت القوى السياسية ضعيفة تنظيميا ومفلسة فكريا وعاجزة عن تحدى الأدوار المرسومة لها مسبقا بأن تكون أطرافا فى مجال سياسى هو على هامش الدولة والنظام فى مصر وليس فى قلبها كما يفترض من نظام ديمقراطى يجرى بنائه. ولقد عاشت الدولة العثمانية كرجل أوروبا المريض أكثر من قرنين من الزمان لأن ببساطة القوى البديلة الدولية والمحلية لم تكن فى وضع يمكنها من ملء الفراغ ووراثة الرجل المريض العجوز. لكن وبرغم ضعف البدائل الحالية فإن هذا الوضع لن يستمر طويلا والانهيار قادم لا محالة فى حالة رجل مصر المريض ـ طال الوقت أو قصر ـ لأن مرضه غير قابل للإنعاش الصناعى ولا التسكين المؤقت ولأن مصر لن تحتمل طويلا الجدل حول السياسة بدلا من الجدل فى السياسة وتحقيق إستحقاقات التغيير السياسى والاقتصادى المطلوب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved