عكاشة.. ورسالة المصريين للصهاينة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 6 مارس 2016 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

سفير بارز ومرموق كتب على صفحته على الفيس بوك صباح أمس الجمعة يقول:

لدينا الآن مشكلة، لو تولى أحدنا منصب وزير الخارجية اليوم، وجاء سفير إسرائيل مستفسرا عما إذا كان قرار مجلس النواب بإسقاط عضوية توفيق عكاشة يعبر عن سياسة مصر الخارجية.. فكيف يكون الرد؟

١ــ إذا قال نعم يعبر عن سياستنا، فقد قررنا قطع العلاقات مع إسرائيل.

٢ــ وإذا قلنا لا يعبر، فقد قدم الوزير استقالته.

السؤال المطروح مصريا ووطنيا هو:

بماذا يخدم مصر أو قضية فلسطين قرار طرد توفيق عكاشة من البرلمان أيا كان رأينا فى الشخص؟

انتهى كلام السفير الذى أكن له كل التقدير والاحترام ــ لكن أختلف مع ما جاء فى مضمون سؤاله وكلامه.

كنت أتمنى أن أذكر اسم السفير، لكن لم أستأذنه وتقديرى أن السؤال نفسه يحتاج إلى مزيد من الضبط، حتى تكون الإجابة سليمة قدر الإمكان.

السادات زار الكنيست الإسرائيلى فى ١٧ نوفمبر ١٩٧٧ ووقع اتفاقية السلام مع حكومة مناحم بيجن فى ٢٥ مارس ١٩٧٩، ومن يومها فهناك عشرات الاتفاقيات التطبيعية بين حكومتى البلدين، وانتهت حالة الحرب بين البلدين رسميا على الورق.
لكن الذى حدث يا سيادة السفير ــ ولكل من يحمل وجهة نظره ــ أن غالبية الشعب المصرى قررت رفض التطبيع مع العدو الصهيونى بطريقتها الخاصة وهى المقاطعة ورفض المصافحة.

تشرفت بأننى شاركت تقريبا فى معظم الهيئات والجمعيات والحركات والمنظمات واللجان التى قاومت التطبيع، وغالبيتها خرج من عباءة اليسار المصرى سواء كان حزب التجمع أو الناصرى وما بينهما من مؤسسات.

ترك المصريون الحكومات المتعاقبة تطبع مع الإسرائيليين، لكنهم رفضوا هم التطبيع وأصروا عليه.

الواقع يقول للأسف إن حركة مقاومة التطبيع ضعفت كثيرا بفعل الكوارث التى حلت بكل المنطقة العربية وعصفت بوجودها نفسه، لدرجة أن سوريا التى كانت واحدة من دول الطوق مهددة بالتقسيم على أسس طائفية وعرقية.

لو أن الأمر بالتمنى فقط، لتمنينا زوال إسرائيل من الخريطة وخروجها من الجسد العربى الذى زرعت فيه عنوة فى ١٥ مايو ١٩٤٨. ندرك أننا قد لا نستطيع مواجهة إسرائيل الآن، وأن الواقع مر ومحبط، لكن على الأقل فعلينا ألا نسلم لها كل شىء حتى أيدينا وقلوبنا.

ثم إن ــ وهذا هو الأهم ــ فقد جرب العرب التطبيع مع إسرائيل منذ كامب ديفيد، ووقع الفلسطينيون اتفاق أوسلو فى ١٩٩٣ والأردنيون اتفاق وادى عربة عام ١٩٩٤ وفتحت معظم بلدان المغرب العربى وقطر وعمان أبوابها لممثليات إسرائيلية، والتطبيع بينهم كبير حتى الآن، فما الذى جناه العرب من هذا التطبيع؟!

لا شىء، بل إن النهم والطمع الإسرائيلى زاد عن حده وتكاد القضية الفلسطينية تتوارى تماما.

يا سيادة السفير: ما فعله توفيق عكاشة كارثى، و«سوقان الهبل على الشيطنة» ربما كان الهدف منه جس نبض الشعب المصرى فى الانتقال خطوة إلى الأمام فى مجال التطبيع.

يا سيادة السفير بشأن الرد على سؤالك وحيرة أى سفير أو وزير فى تفسير قرار إسقاط العضوية: فإن رئيس مجلس الشعب الدكتور على عبدالعال أجاب عنه أكثر من مرة بوضوح شديد، حينما قال يومها إن هذا الأمر ليس بسبب جلوس عكاشة مع السفير الإسرائيلى، بل بسبب ما قاله عكاشة من تصريحات تعرض الأمن القومى للخطر.

التفاصيل والأسرار والدهاليز كثيرة فى حكاية عكاشة، لكننى مازلت مصرا على أن عدم معاقبته كان يعنى كسر أحد التابوهات المقدسة فى نظرة المصريين العاديين لإسرائيل وبغض النظر عن مدى عمق العلاقات المصرية الإسرائيلية الرسمية الآن، فإن الرسالة التى أوصلها مجلس النواب يوم الأربعاء الماضى ــ وبغض النظر أيضا عن رأينا فيه ــ كانت شديد الأهمية. الرسالة باختصار هى: إذا كانت الحكومة مضطرة لمصافحة الصهاينة، فما الذى يجبرنا نحن الشعب العادى وممثليه على فعل ذلك، ومجانا؟.

شكرا لكل النواب المحترمين الذين وافقوا على إسقاط عضوية توفيق عكاشة، حتى يدرك الإسرائيليون أن استمرار احتلالهم للأرض العربية سيكلفهم ثمنا حتى لو كان مجرد المصافحة والابتسام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved