الأمة العربية بخير.. فى انتظار زلازل التغيير!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 6 يناير 2016 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

تطل علينا السنة الجديدة، 2016، مغسولة بدمائنا.. فلقد فاضت جراحنا عن السنة المنصرمة، 2015، التى اتسعت فيها رقعة الحروب بيننا وعلينا حتى طالت أنحاء أخرى من العالم منذرة بمسح التاريخ الذى عشناه وعجزنا عن صياغته بما يلائم تمنياتنا. لقد خرجنا من هويتنا الجامعة وبتنا أشتاتا من المقتتلين بمعطيات الماضى على باب المستقبل، بينما حاضرنا معلق على فوهات البنادق وصواريخ الطائرات التى تقصف هوياتنا وبيوتنا الموروثة التى كانت تحمل بصمات أهلنا التى بنوها، وتكتنز بأحلامنا فى غد أفضل.

هل انتهت سنوات الضياع التى خلطت المعارضة المشروعة لأنظمة الاستبداد ومشاريع المنظمات الإرهابية التى تحاول إرجاع التاريخ إلى الخلف بأقوى أسلحة التقدم العلمى؟

هل انتهى زمن التشقق إلى حد التصادم بين الوطنية والقومية والتقدمية وبين الإسلام السياسى، بما شوه الغد وهدم الطريق إليه؟

هل تم العثور على تصور للغد من خارج اغتيال الهوية وتحقير الماضى وتجاوز الحاضر بذريعة بناء المستقبل بمزيج من الخرافة والوهم والتطلع إلى الآخر الذى كان عدوا فصار – مع الأيام – خصما، ثم حوله سقوط احترام الذات إلى مثل أعلى نحاول تقليده فنخسر هويتنا ولا نصيره؟

لنعترف أننا فى حالة عجز عن تصور مستقبلنا القريب، فى أقطار المشرق العربى أساسا، ثم فى الأقطار التى يحجزنا عنها العدو الإسرائيلى ويقيم بيننا وبينها أسوارا من الدماء والقطيعة المصفحة، قبل أن يصل إلينا الإرهاب بالجاهلية تحت قيادة «الخليفة» السفاح فإذا نحن أشتات من القبائل والعشائر وشعوب ما قبل التاريخ، ليس بيننا ما يجمع ويقرب ويوحد ولو بالتمني؟

***

من يستطيع أن يتخيل سوريا الغد: هل تكون دولة واحدة بعاصمة وحدتها، دمشق، أم ينفرط عقد شعبها إلى «مكونات» و«هويات جزئية» عنصرية أو جغرافية، فيقال عن السوريين إنهم خليط من الشوام والحلبيين والحمامصة وأهل الساحل وعشائر الشرق التى تنتمى إلى «بلاد الشام» بغير تحديد...

هذا قبل التفصيل الذى يباعد بين السريانى والكلدانى يستوى فى ذلك الكاثوليكى والأرثوذكسى وبين الكردى والأزيدى، ثم يفصل هؤلاء جميعا عن العرب بدوا وحضرا، سنة وإسماعيليين وعلويين وشيعة؟

ومن يستطيع أن يطمئن إلى مستقبل العراق كدولة و«الحروب» التى شهدها ومازال يشهدها قد شطرت شعبه إلى قوميتين مركزيتين: عرب وأكراد، ثم شطرته مرة أخرى إلى طائفتين متباعدتين بل ومصطرعتين على السلطة إلى حد الحرب التى لا ينجى منها إلا التقسيم ولو عبر الفيدرالية، فتكون ثمة دويلة شبه مستقلة فى شمال الشمال للأكراد بحماية دولية تجمع الشرق والغرب بينما يستقل «السنة» فى «الغرب» والشمال الغربى فى إقليمهم، والشيعة فى إقليمهم الممتد بين الشرق والجنوب على أن تبقى بغداد عاصمة الدولة المركزية مع اعتراض سنى ضمنى بسبب الزحف الشيعى الذى حول السنة إلى «أقلية» فيها...

...وها هى «المكرمة» السعودية قد شقت اليمن طائفيا ومذهبيا وجهويا، فإذا الشوافع يناهضون الزيود الشيعة على حقهم فى الرئاسة الأولى، وإذا أهل الجنوب يريدون العودة إلى «دولتهم» التى كان لابد أن تسقط لأنها لا تملك مقومات الحياة... مع احتمال أن «ينشق الشرق» ــ أى حضرموت – بتأثير المال السعودى أو يطالب بوضع خاص تحت حماية السعودية لكى يوفر لها ميناء مباشرا على بحر العرب يصلها بالمحيط الهندى ويسهل بالتالى اتصالها البحرى بالمحيط الأطلسى، عبر بحر العرب، دون اضطرار للمرور باليمن وبما يقصر المسافة على ناقلات النفط فيتم الاستغناء عن الخليج إلا كمساحة للنفوذ السياسى والهيمنة على «الدول» القائمة على شاطئه العربى.

وأما الخليج العربى فتكاد المغامرات السياسية تضيع دوله، لا سيما فى ظل محاولات السعودية أن تلعب دور «القائد» العسكرى فضلا عن النفطى وبالتالى السياسى... وها أن مغامرة «الأمل» فى قتال اليمن قد أجبرت دول الخليج على ارتداء البزة العسكرية ودفع طياريها ومن ثم بعض النخبة من جيوشها إلى غزو تلك البلاد التى لم ينجح الغزاة عبر التاريخ فى احتلالها... ومن احتل بعض أرضها الوعرة، ولو إلى حين، دفع الثمن باهظا من حياة جنوده، ومن ميزانية دولته.

هذا فضلا عن مليارات الدولارات التى ذهبت هباء منثورا فى حملة عسكرية لم يكن لها ما يبررها، ولا يمكن أن تستوى نتائجها السياسية مع كلفتها الثقيلة، بشريا وماديا وسياسيا.. وهذا هو الأخطر!

***

فليس مطلوبا من السعودية إظهار قوتها العسكرية الجبارة ليكون لها دور فى الحياة السياسية العربية المعاصرة، وذلك أن «النفط أصدق أنباء من الكتب».. ثم إن المملكة المذهبة لعبت على امتداد الثلاثين عاما الماضية دورا سياسيا مهما فى كل من مصر وسوريا ولبنان، فضلا عن الخليج العربى وصولا إلى اليمن ذاتها، وهو قد حقق لها رصيدا ممتازا من المؤكد أن الحملة العسكرية على اليمن قد ذهبت بالكثير منه.

باختصار لقد عاد أهل النظام العربى بالعرب إلى الجاهلية فإذا هم قبائل وعشائر ببطون وأفخاذ، وإذا هم أتباع أديان عديدة بعد تشطير الواحد إلى مذاهب وشيع وبدع ثم تتويجها بالخلافة الداعشية التى قررت إعادة نشر الدين الحنيف بالمذابح الجماعية.

ومع انطواء مصر على ذاتها وقصورها عن لعب دورها القيادى وضغط كلفة النمو وتلبية الاحتياجات الطبيعية لشعبها تزايدت المحاولات لاسترهان القاهرة بالقروض والهبات و«الشرهات»، وتحييدها إذا ما تعذر كسبها كحليف وتوريطها عسكريا كجيش تابع ينفذ خططا لم تعرض عليه مسبقا ويخوض معارك بل حروبا لا مصلحة له فيها، فى حين أن العدو الإسرائيلى لا يفتأ يحاول استرهان مصر، تارة بالغاز وطورا بالاكتشافات النفطية الجديدة، ودائما بتسهيل مرور العصابات المسلحة إلى سيناء... هذا فضلا عن تحديها يوميا بإجراءات التضييق التى تصل إلى حد القتل اليومى للجيل الفلسطينى الجديد الذى لم يجد ما يواجه به عدوه الإسرائيلى إلا سكاكين المطبخ ومحاولات دهس جنود الاحتلال فى الشوارع والطرقات الضيقة داخل المدن والقرى الفلسطينية.

ولعل الوضع الفلسطينى الراهن هو أعمق الفواجع إثارة للحزن حتى الوجع الممض... فهذا الشعب المجاهد يقاتل كأفراد، كصبايا وفتية وشبان لا يملكون من السلاح، فى مواجهة عدوهم المدجج بأخطر أنواع السلاح وأشدها تدميرا إلا السكاكين ومحاولات الدهس بالسيارة أو التسلل لاصطياد واحد من جنود العدو فى عتمة زقاق فى بعض مدن الضفة وقراها.

وأما لبنان، لكى ننتهى من «المشرق» فإنه يعيش وضعا معلقا: دولته مقطوعة الرأس مشلولة الحكم ومجلس النواب فيها فى عطلة دائمة، والنفايات تدور من أن تجد مطمرا... وآخر ما أبتكر من حلول أن يتم تصديرها إلى «بلد» مجهول فى القارة المظلومة بفقرها وانقساماتها، أفريقيا مقابل كلفة باهظة يدفعها المكلف اللبنانى.

***

تبقى الدول العربية فى الجانب الآخر من الوطن العربى الكبير، انطلاقا من مصر وانتهاء بموريتانيا، وهذه تحتاج إلى حديث آخر، يميز بين الدول التى تشكو الضعف والوهن ونقص الموارد والإمكانات، وتلك التى تفيض إمكاناتها عن قدراتها ولكنها مضيعة.

فمصر تجتهد لحماية أمنها وقدرتها على التقدم من فقرها، وليبيا تضيع ثروتها الخرافية ووحدة كيانها فى سقوط دولتها والعجز عن إعادة بنائها، والسودان الفقير أصلا يحاول ترميم عجزه بتأجير عسكره للسعودية فى غزو اليمن، أما تونس فقد تأخر انفجار الصراع بين قواها السياسية، وتمت معالجته بالمسكنات أى التسويات فى السنوات القليلة الماضية، ولكن يبدو أن هذا العلاج قد حمى «المؤقت» من الصيغ السياسية، وبالتالى حمى «الدولة».. وعساه ينفع فى منع الانفجار.

وأما الجزائر فينذر الوضع القلق فيها والمرهون بصحة رئيسها عبدالعزيز بوتفليقة بالخطر، خصوصا اذا ما رفع الجيش، لسبب أو لآخر يده عن مفتاح التأمين.

فأما المغرب فتجرى اللعبة السياسية فيه تحت عمامة أمير المؤمنين، وهذا قد حماه فى الماضى والمرجح أن يحميه الآن..

وأما موريتانيا فمرتاحة فى ظل النسيان.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved