أربعة مشاهد عن البرلمان والانتخابات والمقاطعة

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

المشهد الأول: ما إن أعلنت جبهة الإنقاذ عن قرارها بمقاطعة الانتخابات حتى انهالت عليها الانتقادات من كل جانب: الجبهة تنسحب من ساحة المعركة، الجبهة تريد للبلد أن يسقط والاقتصاد أن ينهار، الجبهة تحلم برجوع الجيش، الجبهة منقسمة على نفسها، الجبهة تدفع بالبلد للهاوية. مشاكل مصر كلها يتم اختزالها فى قرار الجبهة بعدم خوض الانتخابات كما لو كان كل شىء بخلاف ذلك على ما يرام وأن موقف الجبهة موقف غريب وشاذ وقد جاء ليعكر صفو الأوضاع الجميلة والمستقرة فى البلد. لا بأس بالحالة الاقتصادية المنهارة التى أوصلتنا إليها السياسات الحكومية والتردد والتخبط فى اتخاذ القرار. ولا بأس بأن رئيس الجمهورية لا يستطيع الاقتراب من بورسعيد ولا المنصورة. ولا يهم أن تتحول شوارع المدن الكبرى إلى ساحات للحرب الأهلية. ولا يوجد ما يقلق فى أن لا مشروع النهضة رأى النور ولا برنامج المائة يوم ولا الاستقرار الموعود. ولا ينبغى أن ننشغل بانقطاع الكهرباء فى المدن والأسمدة فى الريف والسياحة من المنتجعات والاستثمار من البلد. وليس هناك ما يقلق من انتشار السلاح ولا من ظهور العصابات المنظمة ولا من البطالة المتفشية. ولا يهم أن الشعب المصرى يعيش تحت الحصار الطائفى والاقتصادى والأمنى. كل هذا لا قيمة له ويمكن التعايش معه بسهولة ويسر. المهم ألا تقاطع الجبهة الانتخابات المقبلة وإلا كانت مسئولة عن كل الكوارث التى نمر بها. الواقع أنه لا يهم قرار جبهة الإنقاذ كثيرا والانتخابات قد تمضى فى طريقها بغض النظر عن هذا القرار، ولكن على النظام الحاكم أن يتوقف عن البحث عمن يلقى عليه مسئولية انهيار البلد.

 

المشهد الثانى: الأعجب من ذلك هو الهوس الذى أصاب الحكومات الأجنبية وسفاراتها فى مصر بضرورة إقناع الجبهة وأحزابها بالمشاركة فى الانتخابات. سيل من الزيارات والاجتماعات والتصريحات انهال علينا ولم يبق إلا أن تأتى الأساطيل والبوارج وتقصف الموانئ المصرية دفاعا عن استكمال المسار الديمقراطى المزعوم. لماذا هذا الاهتمام البالغ بمشاركة أو مقاطعة بعض الأحزاب المعارضة للانتخابات المقبلة؟ لأن الحكومات الأجنبية وسفاراتها أدركت أنها قد «تورطت» مع نظام مستبد وعاجز عن إدارة البلد، ولم يعد أمامها مخرج من هذه الورطة الا بإثبات أن المرحلة الانتقالية أوشكت على الانتهاء بنجاح منقطع النظير وأن الديمقراطية فى مصر قد اكتملت وأن كل شىء على ما يرام. أما أن تقاطع بعض الأحزاب الانتخابات المقبلة فهذا آخر ما يريده السفراء والخبراء والمحللون وحكوماتهم لأنه يعرضهم للمساءلة امام شعوبهم حينما يتبين أن المسار لم يكن ديمقراطيا ولا الانتخابات جادة. هذا الإحراج غير مطلوب الآن والأفضل الإيحاء بأن مصر كلها متوافقة على خوض الانتخابات المقبلة.

 

المشهد الثالث: الانتخابات البرلمانية، على أهميتها، ليست نهاية المطاف ولا هى ساحة العمل السياسى والجماهيرى الوحيدة ولا حتى الأهم، وبالتالى فإن عدم المشاركة فيها لا يعنى بالضرورة غياب المعارضة عن الساحة السياسية. خلال العامين الماضيين اقتصر نشاط الأحزاب على الظهور الإعلامى والصراع على المقاعد البرلمانية، وقد جاء ذلك على حساب نشاطها الجماهيرى وبلورة برامجها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية واستكمال بنائها التنظيمى. الغياب عن البرلمان القادم سوف يكلف أحزاب المعارضة غاليا بلا شك ويحرمها من المشاركة فى العمل التشريعى ومن وسيلة مضمونة للتواجد الإعلامى. ولكن هذا لا يعنى ان تختفى من على الساحة وألا يكون لها وجود وتأثير فى دوائر أخرى، بل لعلها فرصة للعودة إلى العمل على الأرض والاتصال بالناس والاحتكاك بمشاكلهم وتجاهل الكاميرات والاستديوهات قليلا. اما البرلمان نفسه فليس بالضرورة الساحة الرئيسية لمزاولة العمل السياسى. تجربة البرلمان السابق أظهرت وبشكل واضح ان المجلس التشريعى، لو لم يكن معبرا عما فى المجتمع من تنوع وثراء وأفكار وصراعات، فإنه يتحول إلى «مكلمة» كبرى ووسيلة للتسلية على شاشات التلفزيون ولكن لا أحد يأخذه مأخذ الجد. والبرلمان القادم، إذا تم تشكيله فى ظل هذا الإطار القانونى المعيب والظروف المشتعلة على الأرض، فلن يكون اكثر حظا من الذى سبقه. أما احزاب المعارضة فأمامها مساحة كبيرة للعمل، فى النقابات، وفى الجامعات، وفى الصعيد، وبين جمهور واسع لا يجد من يمثله، وعليها ان تبنى هذه القواعد لعل فرصة التنافس الديمقراطى تأتى مرة اخرى مستقبلا.

 

المشهد الرابع: لماذا لا يستجيب الرئيس ولا جماعته؟ قولوا ما شئتم عن تعنت الأحزاب المعارضة وعن مشاكل جبهة الإنقاذ وعن الانقسامات داخلها وعن مطالبها المتناقضة، وكثير من هذا صحيح. ولكن على الجانب الآخر، ماذا كان يضير الرئيس وحزبه وجماعته لو استجابوا لمطالب هذه الأحزاب؟ ما الضرر الذى كان سوف يصيب البلد (بأكثر مما هى عليه بالفعل) لو تم تأجيل الانتخابات بضعة أشهر لحين التوصل لتوافق سياسى حقيقى (وليس بطريقة الدعوات الوهمية للحوار الوطنى) بشأن الاقتصاد والانتخابات والقضاء والمعارك الدائرة فى الشوارع؟ ما التكلفة لو تراجع النظام الحاكم قليلا لحقن الدماء ولتجنب سقوط المزيد من القتلى والجرحى؟ لماذا هذا الإصرار على المضى قدما فى انتخابات معيبة لن تحقق للمجتمع لا الهدوء ولا الاستقرار ولن تمهد للخروج من الأزمة الاقتصادية؟ لماذا لا يتعلم الاخوان المسلمون ان انتصاراتهم المتوالية فى استفتاء مرة وفى الرئاسة مرة اخرى وفى البرلمان مرة ثالثة تأتى على حساب مصداقيتهم وشعبيتهم وقدرتهم على إدارة البلد؟

 

الديمقراطية ليست مجرد وقوف الناس فى طوابير أمام لجان الاقتراع، وزجاجات الحبر الفوسفورى، والرموز الانتخابية. هذه ليست سوى طقوس وإجراءات يوم التصويت. ولكن لكى تكون هناك ديمقراطية حقيقية يلزم أشياء أخرى كثيرة: إطار دستورى سليم، ورقابة قضائية كاملة، وقانون انتخابات محايد، وضوابط للدعاية الانتخابية وللتمويل، واحترام كل الأطراف للقانون، وحكومة لا تعمل لصالح الحزب الحاكم وحده. لا يمكن تجاهل كل هذا والنظر إلى يوم التصويت فقط كما لو كان بذاته كافيا لكى تكون هناك ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة، وإلا كانت بالفعل مسرحية لا حقيقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved