مسلسلات بلا نساء

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأحد 4 ديسمبر 2016 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

هل تعلم أن كثيرا من المسلسلات السعودية التى صورت فى مدينة الرياض مطلع التسعينيات كانت خالية تماما من العنصر النسائى؟ مسلسلات مثل «حكايات قصيرة» و«طاش ما طاش» بجزأيه الأولين، كانت ذكورية الطابع، لا يمثل ولا يصور ولا يكتب ولا يخرجها إلا ممثلون رجال، تماما مثل وضع المسرح السعودى الآن. وكانت هذه الذكورية الفجة مقصورة على دراما الرياض فقط، وجاءت استجابة لاجتهاد فردى من أحد المسئولين عن الإنتاج الدرامى حينها، والذى أمر الفنانين ــ شفاهة ــ بعدم الاستعانة بالممثلات والاكتفاء بالممثلين، وذلك لأسباب لا يعلمها إلا هو، بحسب قول أحد المنتجين الفاعلين فى ذلك الوقت.

عندما تقارن ذلك الظرف الحرِج الذى عاشته دراما الرياض قبل عشرين سنة، بواقعها الراهن، ستدرك حجم التغير الكبير الذى طال المجتمع السعودى وطال وعيه وعلاقته بمجالات الإبداع الفنى، بل إدراكه لمقتضيات الحياة الإنسانية الطبيعية التى لا تلغى وجود المرأة ولا تطمسها من الفضاء العام. لقد تطورت الفنون لدينا وأصبح وجود المرأة واقعا فى الدراما التلفزيونية والمسرح والسينما والتشكيل، ممثلة وكاتبة ومخرجة ورسامة، ولم يعد بإمكان أحد أن يستبعدها، ليس لأن المسئول لا يريد ذلك، بل أيضا لأن وعى المجتمع تطور وأصبح لا يقتنع بفنون تحكى الحياة وتستبعد المرأة من المشهد.

وإذا شاهدت مسلسلا مثل «حكايات قصيرة»، ورأيت أبطاله؛ على المدفع وعبدالعزيز المبدل ومعهما ناصر القصبى وعبدالله السدحان، وهم يؤدون مشاهدهم داخل المنزل ويتحايلون على المُشاهد لإقناعه بوجود الأم والزوجة والأخت، ويختارون القصص التى تحتمل هذا التحايل، لا تملك إلا تقدير هؤلاء الفنانين الذين مروا بتحديات كبيرة واستطاعوا خلال سنوات قصيرة تغيير واقع الإنتاج الدرامى فى منطقتهم، وساهموا فى رفع درجة وعى المجتمع بالفنون وطبيعتها اللصيقة بالحياة وأخرجوها من دائرة التوجس التى كانت تسكن عقول بعض المسئولين، فأصبحت مسلسلاتنا ــ بفضلهم ــ أكثر قربا للواقع وأكثر منطقية وإقناعا.

إن أى استبعاد للمرأة الممثلة هو قتل لصدقية العمل الدرامى، ووأد لواقعيته، وحسبنا هنا أن نستشهد بتجربة مشابهة لما عاشته دراما الرياض، ألا وهى تجربة القنوات المحافظة عندما دخلت مجال الإنتاج الدرامى قبل سنوات بمسلسلات مثل «غبار الهجير» و«مطبات» وغيرها، وكانت خالية تماما من العنصر النسائى، لكنها لم تستمر وفشلت وماتت وهى فى بداية عمرها لسبب بسيط هو أن الجمهور ــ حتى الذى ينتمى للإعلام المحافظ ــ لم يقتنع بهذه الصورة المشوهة للواقع، حيث لا وجود إلا للرجل؛ فى المنزل والشارع وكل مكان.

يمكننا قراءة فشل محاولات وأد الممثلة فى الدراما المحلية من جانب اجتماعى، ونقول إنها علامة مبشرة على أن المجتمع يتقدم للأمام فى وعيه وإدراكه، وليس مجتمعا جاهلا متشددا كما يحاول بعض المثقفين المأزومين تصويره. وإذا أضفنا العدد الكبير من المخرجات وكاتبات السيناريو الموجودات الآن فى الأفلام السعودية القصيرة، والمسرحيات، سنجد أننا مجتمع طبيعى يحب الفنون ويتعامل معها بوعى.

الرياض ــ السعودية
رجا ساير المطيرى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved