المؤتمر الأول لحزب جديد.. وتحديات الأحزاب المدنية

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 4 سبتمبر 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

شاركت يومى الجمعة والسبت الماضيين فى المؤتمر العام الأول للحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى والذى انعقد بالقاعة الرئيسية لنقابة الصحفيين وانتهى بانتخاب رئيس ونواب وهيئة عليا وأمين عام وأمناء لجان ومكتب سياسى، ليصبح للحزب ــ بعد عام وثلاثة أشهر من تأسيسه ــ قيادة منتخبة تديره خلال المرحلة الفارقة التى تمر بها مصر.

 

شأن كل انتخابات، فإن النتائج لم تأت على هوى الجميع، وعبرت عن وجود صراعات شخصية وتكتلات غير معلنة وتحالفات. ولكن هذا تراث حزبى مصرى أصيل ولن تتخلص منه الأحزاب المصرية إلا بالاستمرار فى استكمال بنيتها المؤسسية والنمو وبناء القواعد الحزبية على الأرض والتعامل مع المشاكل الحقيقية للناس. وعلى أى حال فهذه طبيعة التنافس على الصناديق ــ أية صناديق ــ وعلى الجميع قبول ما تسفر عنه والعمل على تجنب مشاكله فى المستقبل. ومع ذلك فقد كانت هناك مكاسب مبهرة بالفعل، على رأسها ارتفاع نسبة تمثيل المرأة فى المراكز القيادية بالحزب إلى ما يتجاوز الثلث، وتمثيل للمسيحيين يعبر عن حجم مشاركتهم فى العمل السياسى والحزبى فى مصر، ودخول جيل كامل من الشباب فى الصف القيادى بعد حصولهم على أعلى الأصوات، وتنوع فى تشكيل الهيئة العليا من مختلف أنحاء الجمهورية، والأهم من ذلك أن هؤلاء جميعا تم انتخابهم بعد تنافس حقيقى وليس تطبيقا لـ«كوتة» ولا بغرض استكمال شكل مراسمى.

 

والواقع أن ما شهدته خلال هذين اليومين يعبر إلى حد كبير عن التحديات التى تواجهها كل الأحزاب المصرية، وبخاصة تلك التى تنتمى إلى ما يسمى بالتيار المدنى، وإليكم بعض هذه التحديات الرئيسية:

 

التحدى الأول هو الحاجة الماسة للإعلان عن برامج ومواقف تفصيلية من القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التى تشغل المجتمع والناس: الاقتصاد، والزراعة، والسياحة، والوقود، والسماد، والضرائب، والاقتراض من الخارج، وتمويل عجز الموازنة، وانقطاع الكهرباء، وحالة المدارس، والتأمين الصحى، وغير ذلك. المجتمع لم يعد يكتفى اليوم بترديد شعارات واسعة حول العدالة الاجتماعية ولكن يتطلع لرؤى ومواقف محددة وقابلة للتنفيذ وتعبر عن انحيازات واضحة وتقدم حلولا ممكنة.

 

والتحدى الثانى هو ضرورة الخروج من حالة الاستقطاب الدينى/ المدنى التى شكلت الصراع السياسى والحزبى فى مصر طوال العام الماضى، وأثرت تأثيرا سلبيا بالغا على الاستفتاء الدستورى، وعلى الانتخابات البرلمانية، وعلى الحوار السياسى فى مصر بشكل عام، كما أنها ــ فى حد ذاتها ــ أدت إلى ابتعاد الأحزاب عن الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة.

 

أما التحدى الثالث فهو كيفية إقامة التوازن بين احتفاظ كل حزب بهويته وشخصيته ومواقفه التى تميزه، وبين ضرورة الدخول فى تحالفات انتخابية وتكتلات مع أحزاب أخرى سواء فى الانتخابات البرلمانية المقبلة أم المحلية أم غيرها. فالساحة مليئة بمشاورات واجتماعات حول تكتلات من نوعية التيار الثالث، والأمة المصرية، والتيار الشعبى، والتحالف الوطنى، وغيرها، وكلها محاولات نبيلة وتهدف لضم الصفوف وحشد الموارد لمعارك كثيرة على الأبواب. ولكن بقدر ما هذه التحالفات ضرورية فإنها لا ينبغى أن تأتى على حساب تميز وطبيعة كل حزب داخل فى تكوينها، وإلا عدنا مرة أخر إلى ذات أزمة العام الماضى، أزمة الاستقطاب الدينى/ المدنى، وغياب الطرح الاقتصادى والاجتماعى. الحل هو أن تستمر الأحزاب المدنية جميعا فى تكوين الشخصية المستقلة لكل منها ــ بعضها يمينى وبعضها يسارى وبعضها وسطى ــ وأن تستمر فى استكمال بنيتها المؤسسية وتواجدها فى الشارع، ولكن يكون لديها الاستعداد والرغبة الصادقة فى أن تتعاون فى المناسبات الانتخابية وربما فى أن تشكل قوائم مشتركة (إن كانت الانتخابات بالقائمة) ولكن دون التضحية بما يميز كل منها عن الآخرين وما يجعل له جمهورا مختلفا.

 

وأخيرا فإن التحدى الرابع هو التوازن الأصعب بين الحاجة لاستكمال بناء الأحزاب داخليا ومؤسسيا والبدء فى الاستعداد لانتخابات برلمانية للمرة الثانية خلال عام واحد. فالانتخابات، بقدر ما تمثل للأحزاب فرصة للنزول إلى الشارع السياسى وتفرض عليها الخروج من الغرف المغلقة وتدفعها دفعا إلى التفاعل مع قضايا الناس ومشاكلهم، وهذا كله يساعد على بناء الأحزاب ونضجها، فإنها من جهة ثانية تضع عليها ضغوطا هائلة فى البحث عن تمويل واختيار قوائم للمرشحين وتعبئة المتطوعين، وبالتالى إرجاء استكمال بناء الحزب داخليا.

 

مع كل هذه التحديات، فإن الفرصة لا تزال سانحة ــ والضرورة قائمة ــ لكى يكون للأحزاب المدنية الجديدة دور أكثر فاعلية وأكثر تأثيرا على الساحة السياسية. قد لا يكون ذلك بالوصول إلى السلطة ولكن على الأقل بالمنافسة الجادة عليها، وبالقيام بدور المعارضة الحقيقية التى تشترك فى صنع القرار وتفرض رؤيتها على الحزب الحاكم وتتعاون معه فيما يحقق الصالح العام، وتقدم للناس بديلا، وتعبر عن مصالح فئات واسعة من الشعب المصرى لا تجد لنفسها صوتا ولا تمثيلا فى ظل الحكم الحالى.

 

كل ما سبق لا يمكن القيام به إلا من خلال بناء الأحزاب الجديدة، بكل ما يحمله ذلك من مشاكل وصراعات وتحالفات، لأنه إن كان للتجربة المصرية الديمقراطية الوليدة أن تستمر فإن ذلك لن يتحقق إلا بالإصرار على بناء أحزاب سياسية حقيقية قادرة على خوض الانتخابات وعلى المنافسة على المقاعد البرلمانية والمحلية وعلى تقديم برامج قابلة للتنفيذ وعلى فرض وجودها كقوى معارضة لا يمكن تجاهلها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved