انقطاعات فى مسيرة ثورة

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 4 يوليه 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

الغلبة واضحة لقطاعات فى شعب مصر فقدت ثقتها فى الإخوان المسلمين كجماعة صالحة لحكم مصر. ومع ذلك يسود، على ما يبدو، اتجاه بين أغلب قيادات التيارات الإسلامية المتشاركة فى حكم البلاد، يدعو إلى ضرورة التمسك بالسلطة ورفض تقديم تنازلات للقطاعات الثائرة والاستمرار فى الاستهانة بحجم الغضب الشعبى. يجرى فى ركاب هذا الاتجاه الاستعداد للدخول فى مواجهات، دموية إن احتاج الأمر، وتصعيد التوتر إلى الحد الذى يدفع بالأمريكيين إلى التدخل بالضغط أو بغيره لاستعادة السلطة، كاملة شكلا ومنقوصة ضمنا، إلى الإخوان المسلمين. هذا التوقع الأخير، لو تحقق سيكون له معنى مهم. معناه، فى كلمات قليلة، أن قادة الإخوان، فى مصر كما فى تونس وخارجهما، مصممون على عدم تصحيح الخطأ الكبير الذى وقعوا فيه قبل وصولهم للحكم وبعده، وهو الاعتماد على رضاء واشنطن ودعمها المعنوى كأساس للحكم وتفضيله على عوامل أخرى بما فيها رضاء الشعب المحكوم.

 

●●●

 

خطآن ارتكبهما الحزب الإسلامى الحاكم ورئيس الدولة ومستشاروه، وبعض هؤلاء أبدع فى ابتكار أساليب ومبادئ فى السياستين الخارجية والداخلية ألهبت فضول المتخصصين وأثارت عديد الأسئلة والاستفسارات فى المجتمعات الأكاديمية وبخاصة مراكز البحث والعصف الفكرى، وسط إجماع على سوء الأداء والتقدير وموهبة تبديد أرصدة مصر السياسية. 

 

أخطأ قادة الإخوان حين واصلوا سياسات الاعتماد فى حكم مصر على واشنطن. أجد دائما من يقول ردا على ما أقول، إن ما أعتبره أنا خطأ يعتبره الإخوان المسلمون قرارا سياسيا سليما بدليل أنه ساهم فى دعم شرعيتهم ووصولهم إلى السلطة، وبدليل آخر لا يقل أهمية، وهو أن الأمريكيين أنفسهم حريصون على أن يبقى التزامنا الاعتماد على أمريكا على مستوى التزام مبارك ومن قبله السادات، وأن هذا الالتزام سيستمر شرطا أو قيدا على القادمين الجدد.

 

الرد صحيح، ولكنه الرد الذى يغفل حقيقة أن هذه «الشرعية الأمريكية» اللازم توافرها لمن يسعى لتولى السلطة فى مصر، أصبح رفضها وإدانتها جزءا أصيلا من شرعية الثوار والمحتجين والغاضبين من كل الطبقات.

 

●●●

 

وقع الخطأ الثانى الذى التصق بحزب الحرية والعدالة ورئيس الجمهورية بخاصة، حين ارتضى الرئيس أن يصدق بوجوده وسكوته على مهرجان خطابى شارك فيه ممثلون عن جماعات إرهابية. لا يفيد فى تبرير وجود رئيس الدولة بين هؤلاء، أو على رأسهم، أن المؤتمر يخدم مصلحة أمريكية مباشرة بدعوته «مجاهدين» لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الشيعة والعلويين وغيرهم «من الكفار» فى سوريا. الرسالة فى حقيقتها فهمها المصريون على أنها انذار لكل من تسول له نفسه معارضة حكم الرئيس مرسى وولاية الإخوان المسلمين ورفض اشتراك «الإرهابيين» فى حكم مصر وتنفيذ سياستها الخارجية.

 

كانت الرسالة خطأ من عدة نواحٍ، أهمها، فى رأيى، أنها كشفت للمصريين أن جهة ما فى الحكم خدعتهم عندما أخفت عن عيون الناخبين فى انتخابات الرئاسة حلفاء لها يمثلون هذه الجماعات التكفيرية أو الإرهابية. اكتشف الناس، وهم يستمعون إلى خطب قادة دينيين جاء بعضهم خصيصا من معاقل إرهاب وتكفير فى الإقليم، اكتشفوا أن وراء الصندوق الذى جاء بالدكتور مرسى رئيسا اختفت اصطفافات خبيثة وخطط مريبة وأفكار تكفيرية، لو اطلع عليها الناخبون قبل الإدلاء بأصواتهم أو صرح بها لهم مرشح الرئاسة لما حصل على نسبة معتبرة تسمح له ولجماعته بالوصول إلى الحكم.

 

●●●

 

خطأ أصيل ومستمر ارتكبه نظام الدكتور مرسى حين أوحى للمصريين انه أكد التزام استمرار الدولة المصرية فى وضع الرهينة لدى حكومة واشنطن، بل لعله أوحى بفكرة لم يقدر خطورتها، وهى أنه رهن مصر بثورتها، وليس فقط بحكومتها ومؤسساتها. الخطأ الثانى الذى وقع فيه رئيس مصر المنتخب، وكان بمثابة «فتاحة عيون» لغالبية المصريين، كان حين أعلن للدنيا كلها أنه سوف يعتمد فى كل معاركه الداخلية والخارجية على حلفاء، هم حسب إعلانهم، أعداء لفكرة الأمة المصرية وللأمة العربية، وهم «حماة الصندوق» ضد غضب الشعب.

 

●●●

 

خطآن، كل منهما كاف لتفسير الغضب الهائل الذى انفجر مظاهرات واعتصامات وهتافات فى عديد الميادين والشوارع المصرية أذهلت مرة أخرى الرأى العام العالمى. وقعت أخطاء أخرى، بعضها كان يمكن أن يقع فيه آخرون، ولكن أكثرها يدل على قصر نظر وقلة خبرة وسوء إدارة وتنظيم، منها مثلا أنه لم ينتبه ومعه مستشاروه إلى حقيقة أن شعب مصر «تسيس» إلى حدود قصوى. لم يعد الفرد العادى غافلا عن كذب الحكام واستخفافهم بالناس. فات على هؤلاء المعاونين وقادة الحزب الحاكم أن الشعب اكتسب بتسيسه قدرات «ثورية» تصدت فأحبطت قدرات أجهزة الدعوة والإعلام التقليدية على الإقناع، وأذهلت قياديين دأبوا على التعامل مع هذا الفرد المصرى العادى باعتباره «أميا» أو متخلف العقل أو لاهٍ عن السياسة والحياة العامة.

 

●●●

 

من الأخطاء أيضا، أنه لم ينتبه إلى أن الثورة المصرية لم تكن يوما معزولة عن الثورات الناشبة فى كل أرجاء العالم، لم يدرك فى الوقت المناسب أن «الثورة فى أى مكان» صارت مكونا رئيسا فى «منظومة ثورية عالمية»، تؤثر فيها كما تتأثر بها. لذلك باءت بالفشل محاولات النظام الإخوانى عزل الثورة المصرية تارة بإعلان أنها حققت أهدافها وتارة بأنها انتهت يوم استلم الإخوان الحكم. استمرت الثورة حية تتفاعل، تماما كما ظل المجتمع يتفاعل، مع منظومة العولمة، وكلاهما مرتبطان عضويا بها.

 

الخطأ هنا، كغيره من الأخطاء، يرتبط بحقيقة أن نظام الحكم الدينى فى مصر بقياداته السياسية والفكرية والتنظيمية، لم يأت مستعدا لإدارة مجتمع تسيس شعبه إلى هذا الحد، ولم يأت مسلحا بتجارب وخبرات لازمة لممارسة السلطة فى دولة فى حالة ثورة مستمرة، ولم يأت مؤمنا أو مقتنعا بنظام عالمى فى حالة تحول، ولم يأت مرنا أو متوافقا مع  بيئة دولية رافضة للإرهاب والتعصب الدينى.

 

●●●

 

سمعت، وأنا على وشك تسليم مخطوطة هذا المقال، أن حشودا تتجمع لمواجهة الرافضين لاستمرار استحواذ جماعة الإخوان على السلطة، وقرأت عناوين مبهمة لخريطة طريق للمرحلة المقبلة، وشاهدت أشخاصا مندمجين فى التنظير لعهد سياسى مختلف، وأرى وجوها تعود إلى الشاشة وأخرى تكثف ظهورها. ولكنى لم أسمع أو أقرأ بيانا يقر بأن ثورة يناير مستمرة ويتعهد بأن كل الأخطاء التى ارتكبت منذ نشوبها، ومنها الأخطاء الوارد ذكرها فى هذا المقال، لن تتكرر، ويعد بأن يحث كل القوى والتيارات والقيادات التى اجتهدت فأساءت دون أن تدرى ولعل بعضها كان يدرى، يحثها على الاعتذار علنا لهذا الشعب الذى أعاد لثورة يناير هيبتها ووضعها على طريق أهدافها، ويذكرها بأن «30 يونيو» وما سيأتى بعده إنما هى حلقات متصلة فى ثورة 25 يناير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved