كيف يستمر مجلس الشورى فى التشريع بعد الحكم ببطلانه؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 4 يونيو 2013 - 1:28 م بتوقيت القاهرة

أمس الأول أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشورى وببطلان تشكيله. الحكم ليس غريبا بل كان متوقعا دون حاجة لتفكير عميق لأنه ذات القانون الذى جرى به انتخاب مجلس الشعب المنحل.

 

العوار واحد ولا بد أن تكون النتيجة واحدة. وكما كان الحال مع كل مجلس شعب تم حله من قبل (مرتين فى الثمانينيات ومرة فى العام الماضى) فقد قررت المحكمة الدستورية العليا هذه المرة أيضا عدم إبطال القوانين التى صدرت بالفعل عن مجلس الشورى حرصا على المصلحة العامة وعلى استقرار الأوضاع، وهذه نتيجة تبدو متناقضة إذ تعنى الاعتراف بشرعية قوانين صادرة عن مجلس باطل، ولكن لا مفر منها وإلا كانت فوضى عارمة.

 

ولكن على عكس الحالات السابقة حيث قررت المحكمة ضرورة حل المجلس الباطل فورا وإعادة انتخابه على أساس قانونى سليم، فإن المحكمة الدستورية هذه المرة انتهت إلى نتيجة شديدة الغرابة، وهى أن مجلس الشورى الباطل سوف يستمر فى موقعه ويستمر فى القيام بمهمة التشريع إلى أن يتم انتخاب مجلس نواب جديد يتولى عنه هذه المهمة، وعندئذ فقط يتم حل مجلس الشورى وإعادة انتخابه على أسس سليمة.

 

وهذه فى الواقع نتيجة مذهلة لأننا نكون بذلك أمام مجلس باطل ومقطوع ببطلانه وفقا لحكم أعلى محكمة مصرية ولكنه فى الوقت نفسه مستمر فى التشريع وفى إصدار القوانين التى تؤثر على حياة الناس، وله أن يفعل ما يشاء بقانون الجمعيات الأهلية والسلطة القضائية وأن ينشئ نظاما قانونيا جديدا لمنطقة قناة السويس وأن يعدل فى الموازنة العامة وأن يضيف جرائم جديدة الى قانون العقوبات، كل هذا وهو مجلس باطل بطلانا أكيدا بموجب حكم قضائى نهائى.

 

وهنا علينا أن نتساءل عما دفع المحكمة الدستورية العليا الى الوصول الى هذه النتيجة الغريبة. والاجابة هى أن ما دفعها الى ذلك من الناحية القانونية هو نص الدستور ذاته والذى جاء بالمادة (٢٣٠) منه ما يأتى: «يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالى سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد».

 

وبناء عليه قررت المحكمة استمرار عمل مجلس الشورى، برغم بطلانه، الى أن يتم انتخاب مجلس النواب. ومع احترامى وتقديرى لما تنتهى اليه المحكمة فى جميع الأحوال إلا أننى أختلف مع هذه النتيجة لاعتقادى أن النص السابق يقصد به تحديدا منح اختصاص التشريع الى مجلس الشورى منفردا لحين انتخاب مجلس نواب جديد، ولكنه لا يعنى تجاهل ما يمكن أن يطرأ بعد ذلك من أحكام أو أحداث لاحقة تصيب المجلس بالبطلان.

 

ولا أتصور أن هذا التفسير كان غائبا عن المحكمة الدستورية العليا حينما اصدرت حكمها، ولكن لعلها بحثت فى نصوص الدستور عما يبقى على هذا المجلس قائما ولو بشكل مؤقت تحسبا من الوقوع فى ورطة اكبر، وهى عدم وضوح من يتولى سلطة التشريع لو انحل مجلس الشورى فورا.

 

ولكى تقدروا حجم الورطة الدستورية التى نعيشها، تصوروا معى لوهلة أن المحكمة الدستورية قررت حل مجلس الشورى فورا باعتبار أنه مجلس باطل، فمن يتولى عندئذ سلطة التشريع؟ مجلس النواب؟ لا يمكن لأنه غير موجود.

 

إذن لم لا يتم انتخاب مجلس نواب جديد فورا؟ لأنه لا يوجد قانون للانتخابات إلى الآن. ولماذا لم يصدر قانون انتخاب مجلس النواب الى الآن؟ لأن مجلس الشورى أنفق الأشهر الستة الماضية فى إعداد قوانين مخالفة للدستور لم تقبلها المحكمة الدستورية.

 

ولماذا يلزم أن تقبلها المحكمة الدستورية؟ لأن الدستور الجديد قرر مبدأ جديدا وهو ضرورة الحصول على موافقة المحكمة السابقة قبل صدور القانون. والعمل؟ لا بد من انتظار صدور قانون انتخاب مجلس النواب وموافقة المحكمة الدستورية عليه. ومن سيقوم بذلك الآن؟ سيقوم به مجلس الشورى الذى صدر حكم ببطلان تشكيله. ولماذا لا تنتقل سلطة التشريع مرة اخرى الى رئيس الجمهورية ولو بشكل مؤقت؟ لأن نص الدستور الذى يعطى رئيس الجمهورية حق إصدار قرارات لها قوة القانون (مادة ١٣١) تتناول حالة غياب مجلسى النواب والشورى بشكل عارض وليس صدور حكم ببطلان انتخابهما وبالتالى فليس واضحا أن كانت سلطة التشريع تنتقل بأكملها لرئيس الجمهورية.

 

ولماذا تتعمد المحكمة الدستورية تعطيل كل شىء وتبطل كل خطوة يتخذها الرئيس؟ لأن المحكمة لا تملك سوى تطبيق نصوص الدستور القائم أمامها بكل ما فيه من عيوب وعوار ولذلك فسبب التعطيل ليس تعنت المحكمة الدستورية بل اضطراب نصوص ومفاهيم الدستور الجديد. ولكن كيف نقبل أن يستمر مجلس الشورى الباطل فى إصدار القوانين؟ هذه هى النتيجة الغريبة التى انتهينا اليها بسبب حالة الفوضى الدستورية التى نعيشها، وعلى أى حال فسوف نعتاد على التعايش مع مجلس شورى باطل كما اعتدنا على استمرار النائب العام على قمة جهاز النيابة العامة برغم بطلان تعيينه (بل واستقالته) وكما اعتدنا على الجمعية التأسيسية للدستور التى كانت باطلة أيضا، فلم يزعجنا بطلان مجلس الشورى؟

 

ولكن الحقيقة أن هذا الإصرار على تجاهل الخلل الذى أصاب النظام الدستورى المصرى منذ الإعلان الصادر فى ٣٠ مارس ٢٠١١، مرورا بالانتخابات والجمعيات التأسيسية الباطلة، انتهاء بالدستور نفسه الذى صدر مليئا بالتناقض والاضطراب، ومحاولة الاستمرار فى ترقيع هذا الثوب المهلل بمزيد من الارتجال، لن يؤدى إلا إلى تعميق الأزمة واهتزاز مصداقية البنية التشريعية المصرية على نحو سوف ندفع ثمنه لسنوات طويلة مقبلة. مصر فى ورطة دستورية ولا مخرج منها إلا بتصحيح المسار بشكل شامل وجذرى.

 

ولا يعنى ذلك إلغاء كل ما سبق ومحاولة الرجوع ليوم ١١فبراير مرة أخرى، فهذا مستحيل. ولكن يجب اتخاذ خطوات حاسمة لإصلاح الخلل الدستورى من أصله، عن طريق إصدار قانون انتخابات توافقى بالمعنى الحقيقى، وبدء اتخاذ اجراءات محددة لتعديل الدستور وتصحيحه، وتعيين نائب عام بشكل قانونى، ومشاركة القضاة فى مناقشة قانون السلطة القضائية.

 

والأهم من ذلك قصر دور مجلس الشورى المحكوم ببطلانه على إصدار التشريعات الضرورية واللازمة لتسيير شئون البلاد وابعاده تماما عن النظر فى قوانين أساسية وحاكمة مثل تلك المتعلقة بالجمعيات أو بالسلطة القضائية أو بحرية التظاهر أو بالأحوال الشخصية حتى يحل محله مجلس شرعى. إعادة مصر الى مسار دستورى سليم لن تتحقق بمزيد من التعنت والعناد والإصرار على الخطأ حتى النهاية، بل بوقفة جادة وبالتمسك بإصلاح المشكلة من اصلها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved