مربط الفرس فى حكاية الحداثة السعودية

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

للناقد السعودى البارز الدكتور «عبدالله الغذامى» كتاب صدر قبل سنوات لم يتلفت إليه الكثيرون فى مصر ربما لأن اسمه (حكاية الحداثة فى المجتمع السعودى) لذلك اعتبره البعض سعوديًا أكثر مما ينبغى.

والغذامى صاحب مشروع نقدى مثير للجدل برز منذ أوائل تسعينيات القرن الماضى، وتم طرحه فى كتب نالت نجاحا منها: النقد الثقافى / وتأنيث اللغة) لكنه يقدم فى هذا الكتاب شهادة شخصية عن معاناته فى قلب مجتمعه ورصد ردود الفعل التى واجهت أفكاره التى كانت هدفا للقوى المحافظة ممثلة فى خطباء المساجد الذين قادوا حملة للتشهير به.

وكما هى العادة فى مثل تلك الحالات فقد تم تكفيره واتهامه بالعمالة والخيانة الوطنية والعلمانية، لكن الخلاصة التى يمكن للقارئ أن ينتهى إليها أن هذه المواجهة كانت ضرورية فهى لم تكشف فقط عن خطاب القوى المحافظة وتعريه وإنما كشفت أيضًا عن تناقضات تعيشها النخبة المثقفة التى خرجت من داخلها أسماء قادت حملات الهجوم على الغذامى من منطق مغاير لفكرة التكفير وباسم الاختلاف مع أطروحاته عمقت سواء عن قصد أو غير قصد من خطابات تكفيره استنادا لفهمها الخاص لمسألة الهوية. 

والكتاب مفيد جدا لمن يعنيهم فهم ما يجرى فى السعودية حاليا فقد توقف الغذامى طويلا أمام «سمات النسق الاجتماعى الساكن، الذى يميل للاحتفاظ بالوضع القائم وقمع أى حركة تجديدية تسعى إلى معارضة النسق من خلال تحريك الوضع «سواء كانت حركة دينية أو اجتماعية إصلاحية وينتصر لتعريف خاص به للحداثة باعتبارها عملية للتجديد الواعى».

ويشرح فى فصول الكتاب مراحل التجديد التى عاشتها المملكة بتعثراتها منذ نشأة الدولة السعودية الحديثة مرورًا بتجربة أخرى للحداثة انطلقت من مكونات اجتماعية وليس من قلب السلطة وأسماها (حداثة النصف خطوة) اعتمدت على جيل من المتثقفين السعوديين ظل حتى نهاية السبعينيات ينهل من المصادر العربية، كونوا جيل للتقليد والمحاكاة لا جيل الإبداع الثقافى بتعبيره. 

وهناك جيل الأكاديميين السعوديين الذى يعتبره الغذامى محافظ فى مجمله لأن الجامعات نفسها محافظة بحكم التكوين ونمو شبكات مصالحها مع السلطة.

وكانت رهانات الغذامى فى انتظار ما تسفر عنه تحولات تصنعها التغييرات فى منظومة القيم المحلية صحيحة فى المجمل فقد رأى أن طفرة من نوع أخر سيحدثها الانتقال من مجتمع البدواة أوالمجتمعات الريفية المحلية للمدن الكبيرة فضلا عن أثر ايجابى تحدثه البعثات العلمية للخارج إلى جانب « ولادة تاء التأنيث فى الثقافة السعودية « الذييرصده منذ ظهور العمود الصحفى الأول للسعودية خيرية السقاف فى العدد الأول لصحيفة « الرياض « عام 1965م وحتى اليوم حيث تتصدر المشهد الروائى العربى العديد من الكاتبات البارزات أمثال رجاء عالم ورجاء الصانع وبدرية البشر.

والأكيد أن التغييرات التى تشهدها السعودية الآن لتسييد «نمط من الحداثة المفروضة «من أعلى ليست فى معظمها استجابة لصراعات قوى اجتماعية داخلية أحرز فيها انصار الحداثة هذا الانتصار الذى نتابع اهدافه المتلاحقة وانما هى «أثمان» غالية تدفعها المملكة مضطرة فيما يبدو لتستطيع مجاراة تغيرات الوضع الاقليمى أو الحملات التى تحملها مسؤلية ميلاد ورعاية جماعات العنف المتطرفة وكلها أمور عجلت بتسارع ايقاع التغيير لكنها فى المقابل اشارة إلى «أزمة» عميقة مع الخارج أكثر منها اشارة إلى «حل» سعودى لمواجهة تناقضات الحداثة المشوهة التى عاشها طول أكثر من 40 عاما والتى رأى الغذامى أنها انتهت إلى احتفاظ الإنسان السعودى برجعيته أمام حداثة مكانة، فقد إسند مهمة التطوير طوال نصف قرن إلى (الآخر) الوافد، فهويقول متحدثا بـ(نا) السعوديين (.. قادرون بغيرنا وعاجزون عن تمثل شرطنا الإنسانى حتى صار المكان عندنا أرقى من الإنسان، وصار المكان هو الحداثى لإنسان لما يزل خارج اللعبة.. هى إذن حداثة فى الوسائل ورجعية فى الأذهان..) وهذا مربط الفرس فيما يمكن انتظاره فالمعركة لم تحسم بعد، و«رجعية الأذهان» كامنة وليست مستسلمة كما نظن لكن أى كان الوضع يبدو أننا جميعا بحاجة لدعم عملية التغيير لأنها قد تقود المنطقة إلى لحظة مختلفة كليا عما عشناه ربما طوال قرن كامل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved