فلسطين تضيع.. والعرب يخرجون من التاريخ! إسرائيل تحتل الإرادة العربية..

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 3 أبريل 2018 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

العرب على باب الخروج من التاريخ: لقد أطالوا المكوث فيه، بعدما دخلوه بالإسلام وفتوحاته التى أوصلتهم إلى أقاصى الأرض.. وهم يتراجعون الآن ويتكأكئون على أمجاد الماضى ويبيعون غدهم بيومهم فإذا هم بلا مستقبل!
ها هم مهددون بخسارة هويتهم ومجد انتسابهم إلى أمة واحدة ومستقبلهم، إضافة إلى حاضرهم عبر خسارة فلسطين، بل بيعها بالمناقصة العلنية: فيوم الجمعة الماضى، الواقع فيه الثلاثون من مارس 2018، وهو «يوم الأرض» الذى يؤكد فيه الفلسطينيون حقهم فى أرضهم، التى كانت على مر التاريخ أرضهم، أسقط رصاص القتل الإسرائيلى أكثر من 15 شهيدا ونحو خمسمائة جريح، أكثريتهم من الشبان والفتية الذين خرجوا فى تظاهرات سلمية لا «سلاح» فيها إلا علمهم الوطنى.
لم يحتل خبر المجزرة الإسرائيلية الجديدة أكثر من دقيقة أو دقيقتين فى نشرات الأخبار فى الإذاعات العربية المسموعة أو المصورة، التى كانت مشغولة بنقل أحداث جليلة فى مختلف العواصم الغربية كواشنطن ولندن وموسكو وباريس، فضلا عن الحرب على اليمن والحرب فى سوريا وعليها وحرب إبادة ليبيا وشعبها.
لم يخرج أى من الملوك والرؤساء، أو حتى الوزراء العرب، بتصريح، أو ــ لا سمح الله ــ بتهديد موجه للعدو الإسرائيلى، يتهم فيه هذه الدولة المزروعة بالعدوان فى قلب الأمة العربية بشن حرب إبادة على الشعب الفلسطينى بتهمة الخروج فى تظاهرة سلمية تأكيدا لحقه فى أرضه المحتلة.
أما مجلس الأمن الدولى فقد استفاق من غفلته، بناء على فظاعة المجزرة، ولكنه عجز عن اتخاذ قرار، مجرد قرار، بإدانة هذه الجريمة الإسرائيلية المسجلة بالصوت والصورة ضد متظاهرين سلميين لم يستطيعوا الوصول إلى أى موقع عسكرى إسرائيلى ظل بعيدا عنهم مدى رصاص المستوطنين..
***
أعذار النظام العربى جاهزة: فجامعة الدول العربية مشغولة فى الإعداد للقمة العربية (الجديدة جدا) فى السعودية، بعد أيام، والتى ستشكل نقلة نوعية فى العمل الرسمى العربى..
أما مصر فكانت مشغولة بانتخاباتها الرئاسية..
وأما سوريا فمشغولة بالحرب فيها وعليها..
وأما العراق فمعطل القرار فى انتظار الانتخابات النيابية فيه..
وأما ليبيا فلم تعد موجودة على الخريطة السياسية..
وأما لبنان فمشغول شعبه بصفقات الانتخابات النيابية التى يفترض أن تدر ذهبا..
وأما الجزائر فتنتظر أن يمن الله على رئيسها بالصحة. وأما المغرب فقد عاد إلى موقعه «الأقصى» وأخرج نفسه من حومة الصراع، بل إن بعض وزراء الملك كانوا، قبل يومين من المجزرة، فى زيارة رسمية للقدس الشريف للاطمئنان إلى سلامة الأماكن المقدسة فيها.
وأما «السلطة الفلسطينية» فكانت مغضبة، بعد «حادث» غزة، التى حاول بعض «المتطرفين» فيها اغتيال رئيس الحكومة ولكن العناية الإلهية تدخلت فأنقذته والحمد لله..

***

أين العرب من فلسطين؟!
أين العرب من يومهم وغدهم الذى يقرر فى غيابهم ومن دون رأيهم؟
هل سقط حاجز العداء القومى والإنسانى عن «إسرائيل» ولماذا؟
إن خطوط الطيران من وإلى تل أبيب تخترق الآن الأجواء العربية من المحيط إلى الخليج، وآخرها خط نيودلهى ــ تل أبيب!
والشواطئ العربية تكاد تكون مفتوحة، بالحرب أو بالصفقات السياسية، أمام الملاحة الإسرائيلية..
ولم تنتظر عواصم عربية عدة معاهدات الصلح مع «العدو القومى» فباشرت اتصالاتها ــ الرسمية ــ مع تل أبيب، ولو بقدر من الحياء..
وها هو الرئيس الأمريكى الماهر فى المضاربة يقرر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال، ضاربا عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة، والجامعة العربية، بل والإرادة العربية التى كانت ذات يوم جامعة فتفرقت، وكانت بالأمس فاعلة فأضحت أثرا بعد عين..
بل إن هذا الرئيس الذى استولى من الأموال العربية أكثر مما استولى عليها مجموع الرؤساء الأمريكيين، ينوى زيارة كيان العدو الإسرائيلى لتهنئة نتنياهو بالعيد الستين لإقامة «الدولة» على أرض أهلها الأصليين: شعب فلسطين العربى، بمسلميه ومسيحييه واليهود من أبناء الأرض المقدسة.
من لشعب فلسطين فى محنته الفريدة فى بابها، والمتمادية خطورة مع الزمن؟
لقد تخلى عنه إخوانه العرب عندما تخلوا عن هويتهم الجامعة: العروبة.. وتخلى عنه بالتالى من كانت تجمعهم رفقة النضال من دول تمثل شعوبها فى العالم الثالث (دول عدم الانحياز ــ الصين، الهند، دول أمريكا اللاتينية، إضافة، بطبيعة الحال، إلى الدول التى كانت تخاف تهمة الخيانة أو تخجل منها..)
ثم إن العديد من الدول العربية قد صالح إسرائيل، مضطرا أو بالرغبة، واعترف بكيانها القائم على حساب فلسطين وشعبها، مما فتح الباب أمام العديد من الدول الصديقة للاعتراف بكيان العدو الإسرائيلى، طالما لا اعتراض عربى ــ جدى عليه.

من لشعب فلسطين إلا دمه؟
ليس بين الأنظمة العربية من يهتم لمصيره، ليس بين هذه الأنظمة من يرغب فى مجافاة الولايات المتحدة الأمريكية أو مخاصمتها... وها هم القادة العرب يتقاطرون على واشنطن، فرادى وجماعات، ويعقدون فيها اللقاءات الحميمة والصفقات الضخمة، ثمنا للسلاح وأجهزة التقدم العلمى، وقيمتها مجتمعة تكاد تكفى لتحرير فلسطين..
ومن الملاحظة أن ما من مسئول عربى، ملكا كان أو رئيسا، ولى عهد، أو أميرا مطلق الصلاحيات، لفظ كلمة «فلسطين»، خلال أى من زياراته العديدة للعاصمة الأمريكية ولقاءاته الحميمة المزينة بالخرائط للعبقرى دونالد ترامب.
فلسطين يتيمة، بل هى لطيم، بلا أب ولا أم.
الدول العربية مشغولة عنها، بل إنها بدأت تضيق ذرعا بأثقالها وتعمل للتخلص منها بأى ثمن.. وأحيانا بلا ثمن.
ومن النادر، حاليا، أن يسمع المواطن العربى، فى المشرق والمغرب، باسم فلسطين، وإن هو قد ظل مجبرا على سماع اسم «إسرائيل»، ألف مرة فى اليوم، حتى عندما يتصل الأمر بشئونه الداخلية.

***
إن الدم الفلسطينى يغطى الخريطة العربية بالأحمر القانى..
إن الدم الفلسطينى يغطى على المستقبل العربى ويجعله مجهولا..
إن فلسطين تضيع، غارقة فى دمها، يوما بعد يوم، بينما العرب يسلمون مقادير مستقبلهم لأعدائهم، مع ابتسامة ود وعرفان جميل.
إن فلسطين هى الحاضر العربى ببؤسه المريع والمستقبل العربى بتصوره المخيف.
أن الأمة مهددة فى حاضرها ومستقبلها، ولا ينفع التمويه والتعامى عن رؤية هذا المستقبل الذى سيشطب العرب من التاريخ..
ولن تنفع ألقاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة فى تعويض هذا المواطن العربى المنكورة عليه هويته، والذى يلغيه نظامه فلا يعترف له بحق الرأى، فكيف بأن يكون شريكا فى القرار، فضلا عن أن يكون صاحبه؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved