الجولة القادمة فى غزة

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الخميس 3 أبريل 2014 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

نشرت مجموعة الأزمات الدولية «International Crisis Group» تقريرا يصف الوضع الفلسطينى الإسرائيلى فى الآونة الأخيرة فى محاولة للتوصل إلى حل للقضية، جاء فى التقرير أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، تراجع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة وصار ينذر فى الآونة الأخيرة بنهاية مفاجئة. فبعد يوم واحد من قتل إسرائيل ثلاثة من أعضاء حركة الجهاد الإسلامى، فى اشتباك حدودى يوم 11 مارس عام 2014، أطلقت المجموعة على ما يبدو بالتنسيق مع حماس أكبر وابل من الصواريخ تجاه إسرائيل منذ آخر تصعيد كبير، فى نوفمبر 2012، عندما أعادت مصر الهدوء بعد وساطة استمرت أكثر قليلا من يوم واحد. ولكن مع تراجع نفوذ حماس وتعرضها لأسوأ حالة عزلة وانكماش اقتصادى خلال سنوات، من المرجح أن يتصاعد اندلاع حريق كبير - ما لم تصل الأطراف إلى تفاهم لمد حالة الهدوء الهشة. ونظرا لعزلة حماس وتدهور العلاقات مع القاهرة، من الصعب أن نتصور التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار الذى أنهى القتال عام 2012، بوساطة مصر. ولكن الاتفاق الأساسى، الذى يتألف من تلك العناصر الأساسية لوقف إطلاق النار، لا يزال بإمكانه أن يقلل من فرص انجرار حماس وإسرائيل فى صراع لا يرغبه أى منهما، فى الوقت الذى يساعد الطرفين على تأمين مزايا تتجاوز المشهد الدائر بين غزة وإسرائيل.

ويعتبر التصعيد الدورى بين إسرائيل والمتشددين المسلحين فى غزة قاعدة وليس استثناء. وقد شهدت حدودهما المشتركة، أعمال عنف محدودة النطاق بصورة منتظمة، يتخللها فترات قصيرة من التصعيد المكثف، عادة عندما يشعر أحد الجانبين أو كلاهما أن القواعد الضمنية للتعامل بينهما تم تقويضها. وتتجه حماس وإسرائيل نحو مثل هذا الصدام منذ الثالث من يوليو 2013، عندما أطيح بالرئيس المصرى محمد مرسى، وعملت القاهرة، فى إطار حملتها ضد جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين الجهاديين فى سيناء، على زيادة عزلة غزة بإغلاق أنفاق تحت الحدود مع مصر. ومن بين أدوات حماس المحدودة لمواجهة انحدارها المطرد، التصعيد العسكرى الفورى بأمل أن تؤدى أزمة جديدة إلى تخفيف حدة الإغلاق مؤقتا على الأقل؛ ولفت انتباه العالم إلى الأزمة الاقتصادية الناتجة، وزيادة التعاطف فى مصر وغيرها، وإحراج قادة مصر بشأن دورهم فى بؤس غزة.

•••

وقد رفضت حماس هذا الخيار، فى الوقت الحاضر، لأنها لا تستطيع تحمل جولة جديدة من القتال. فهى تعانى من العزلة السياسية والضائقة الاقتصادية الشديدة. ولا يمكن أن تعول على تعاطف مصر ولا سهولة التسلح أثناء أو بعد الأزمة فى المستقبل. وتشعر حماس بالعجز بفعل أعباء الحكم وحقيقة أنها ستتحمل العبء الأكبر من أى هجوم اسرائيلى. ونتيجة لذلك، اختارت هذا الشهر، بديلا أكثر ليونة وأقل مخاطرة: إعطاء فسحة أكبر للفصائل الأخرى التى ترغب فى مهاجمة إسرائيل.

•••

ورأت حركة الجهاد الإسلامى، مع رغبتها الهائلة فى الانتقام لقتل مقاتليها، فى ذلك فرصة لتتصدر النضال الوطنى. وعلى عكس حماس، أظهرت إخلاصا مستمرا لمبدأ المقاومة، ومن خلال التفاوض على وقف إطلاق النار، مع مصر بشكل مباشر، خرجت من ظل حركة حماس، وعملت من نفسها لاعبا إقليميا. ورأت حماس أيضا ميزة فى التصعيد: إرسال رسالة مفادها أن غزة لن تقف مكتوفة الأيدى فى مواجهة العزلة والبؤس.

وكان مبرر قادة حماس دقيقا، فطالما بقيت الحركة بعيدة عن الحريق وكان إطلاق الصواريخ محدودا فى المسافة والمدة، يمكنها تجنب مواجهة عملية كبيرة. كما حسبت إسرائيل الأمر بشكل صحيح، التحكم فى حجم الضغط على غزة وذلك لإظهار خطورتها لحماس، ولكن ليس ضربها بشدة حتى لا تندلع مواجهة أكبر بكثير أو تتهدد سيطرتها. ولا شك أن مثل هذه التقييمات محفوفة بالمخاطر. فحاليا، لا يريد أى من الطرفين مواجهة واسعة النطاق، وكلاهما يأمل فى الحفاظ على التوازن الهش، أو على الأقل تمديده، ولكن العمليتين الكبيرتين اللتين شنتهما إسرائيل فى السنوات الست الماضية، والعديد من التصعيدات الصغيرة بينهما، تظهر احتمال وقوع خطأ فى الحسابات.

•••

وإذا كان كلا الطرفين لا يريدان القتال، فلا أحد منهما ينوى الضغط من أجل السلام. وكلاهما مقتنع بأن الجولة التالية قادمة، لذلك لن يتخذ خطوات غير ملائمة عسكريا. وعلى الرغم من عدم وجود فرصة لوقف إطلاق نار قوى، فإنه يمكن أن ينفذ من جانب واحد ترتيبات محدودة تلبى الاحتياجات الأساسية، على المدى القصير.

ويستلزم إجراء تقييم واقعى، الاعتراف بأن العمليات العسكرية ستستمر على كلا الجانبين. والسؤال الآن، هو كيفية الحفاظ على هذه العمليات ضمن حدود ضيقة نسبيا، وبالتالى إنقاذ الأرواح وخلق فضاء للتعامل مع القضايا السياسية الأوسع. وكلما استطاعت حماس تقديم قدر من الاحتياجات الأساسية فى غزة، كان ذلك أفضل، وكانت أقدر على فرض التوافق السياسى بين الفصائل لوقف الغالبية العظمى من الصواريخ، وإنهاء تماما اطلاق الصواريخ بعيدة المدى ذات الحمولة الأثقل. ويمكن شريطتها التعامل مع قدر كبير من الباقى، على الرغم من أنها لا تستطيع أن تمنع كل من يحاول بشكل فردى شن هجوم دون موافقة الفصائل.

وفى الوقت نفسه، يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولى إرساء الأساس للمصالحة الفلسطينية وإعادة بناء أسس عملية السلام، التى فقد الجانبان الأمل فيها منذ فترة طويلة.

•••

وفى الختام أشار التقرير إلى أنه حتى الأهداف المتواضعة بين إسرائيل والفلسطينيين تعتبر طموحة للغاية، ويتضاعف هذا الأمر فيما يتعلق بغزة. فلا شك أن القطاع مكان تمارس فيه مختلف الدول والجهات الفاعلة ألاعيب الولاءات والمنافسات، بما فى ذلك السلفيون من شتى المشارب؛ ومصر، وجماعة الإخوان المسلمين فى صورة حماس، ذراعها المحلية؛ وإيران؛ وحزب الله؛ ودول الخليج، والمطالبون بالسلطة داخل فتح. ولا شك أن العائق الأساسى لإبرام اتفاق وقف إطلاق للنار أكثر دواما، أنه فى حين لم تحصل أى من إسرائيل ولا حماس على ما تريد، فكلاهما لديه ما هو أهم فى الأجل القصير. لدى إسرائيل وقف إطلاق للنار، ولو كان ناقصا؛ وتسيطر حماس على قطاع غزة، حتى لو كان ذلك فى ظل ظروف صعبة. ولا يرغب أى منهما فى أن يقدم أكثر مما قدمه بالفعل. ولكن إذا لم يفعلا ذلك، فمن الممكن أن يفقد كلاهما ما لديه الآن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved