سعودة المصريين

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 3 يناير 2012 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

ما لم يدركه ــ حتى الآن ــ فريق من السلفيين الذين ظهروا فجأة فى حياتنا السياسية منذ أشهر قليلة، إنهم يعيشون فى مصر لا السعودية، وأن التنقيب عن البترول بأظافرهم المجردة فى صحرائنا الغربية أسهل بكثير من عملية «سعودة المصريين» التى يعتبرونها أم المعارك المقدسة!

 

هؤلاء يحلمون باستبدال الأزهر الشريف بأفكار الوهابيين، وأقصى أمانيهم تكوين شرطة دينية تحت اسم «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، ليعيدونا بالسوط والعصا إلى الفضيلة، بعد أن أغوتنا الشياطين لنعبد هبل واللات والعزى، وامتلأت الخمارات بملايين السكارى، وأصبحت الملاهى الليلية تعج بملايين الراقصات، وأننا نقضى حياتنا غارقين فى الرذيلة ولعب الميسر، بعد أن هجرنا مساجدنا، وقفلنا أبواب الأزهر الشريف.. وكأن أبوجهل لا يزال يعيش بيننا، وأن كفار قريش تركوا عبادة الأصنام فى مكة وانتقلوا ليعبدوا الأهرام وأبوالهول فى الجيزة، وان هؤلاء السلفيين بجلابيبهم البيضاء وسياطهم الطاهرة، سيقضون على الرذيلة المنتشرة فى شوارعنا، وسيبنون المدينة الفاضلة.. دون أن يسألوا أنفسهم لماذا فشل نظراؤهم فى السعودية فى تحقيق هذه الاهداف؟! ولماذا سينجحون هم؟

 

أنا لا أشك لحظة فى أن هذه المجموعة السلفية، ضحية مرحلة من الانحطاط السياسى والفكرى والثقافى، بلغت أعلى درجاتها فى عهد الرئيس المؤمن أنور السادات وتابعه الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فهم لا يفهمون قيمة الإنجاز التاريخى العظيم لثورة 25 يناير بإسقاطها للأبد أسطورة الرئيس الفرعون فى مصر الذى يحكم بصلاحيات نصف إله، وهم يريدون إعادتنا إلى حكم الكهنة والفراعين الصغار، وعهود الظلم والقهر والاستبداد تحت راية الدين، والدين منهم براء.

 

هؤلاء السلفيون لا يدركون أيضا أنهم يعيشون فى البلد الذى شهد «فجر الضمير» الإنسانى كما يقول المستشرق الأمريكى الموسوعى جيمس برستيد فى كتابه الذى يحمل نفس الاسم، والذى اكد فيه استنادا إلى البرديات الفرعونية قبل 3000 عام من الميلاد ــ أن المصريين القدماء هم الذين أعطوا للأخلاق معناها الإنسانى قبل أى أمة فى التاريخ، وهم الذين علموا العالم كله قيم الخير منذ خمسة آلاف عام، وهم الذين وضعوا وصايا تشبه الوصايا العشر التى بشر بها موسى عليه السلام، بعدهم بعدة مئات من السنين، عقب خروجه من مصر إلى سيناء.

 

 هؤلاء السلفيون هم مخلب القط الذى قد تستخدمه قوى داخلية وخارجية ليس فقط للانقضاض على ثورة يناير، ولكن لتشويه الشخصية القومية المصرية، وتخريب تراث حضارى طويل، بأفكار تدعو فى جوهرها إلى «الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف»!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved