عليك أن تجد حلا.. وإلا

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 2 ديسمبر 2017 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق اللبنانى مقالا للكاتب «نصرى الصايغ» وجاء فيه: عليك أن تجد حلا. الشرح لا ينفع. المشكلة محددة. الثرثرة حشو ولغو. المطلوب اجتراح معجزة وليس بين القادة نبى.
الكلام الإنشائى لا يقول شيئا. العبارات السياسية المبتكرة سابقا، لا تشكل مصدرا أو مرجعا. النأى بالنفس كان نصا ولم يكن فعلا… سبق أن اعتاد لبنان على أشكال لفظية لا تشبه الوقائع. «لبنان بجناحية» لا يطير. يتمزق ويتناثر ريشا فى مهب السياسة. «لا شرق ولا غرب» كذبة. كان مفرطا فى ارتمائه بين غرب طامع وشرق طاغ. «الوحدة الوطنية» عكسها صحيح. وكلما أكثر «المسئولون» فى التأكيد على «الوحدة الوطنية»، كلما كان ذلك دالا على فقدانها، أو استحالتها. اجتماع الطوائف على أمر يدعى «الوحدة الوطنية». «الحياد الايجابى» خرافة. انخرط لبنان فى مجمل الصراعات الاقليمية. كان نصفه مع ونصفه الآخر ضد. أما النأى بالنفس، فقد كان استحالة منذ ابتداعه، ومطلوب تفسيره تفسيرا واقعيا، بما يعنى، «الحياد» و«لا شرق ولا غرب» و«الوحدة الوطنية».
برغم كل ذلك، عليك أن تجد حلا، عبر تفسير سياسى ملزم، لجميع «مكونات» البلد ذات الطابع المضاد لـ«تكوين» دولة أو وطن. غير أن النأى بالنفس السارى المفعول سابقا، بتفسير عجائبى، قضى بأن تكون مؤسسات الدولة نائية بنفسها، من دون أن يمنع «حزب الله» من عبور الحدود من الجنوب إلى باب المندب، مرورا بدمشق وبغداد والمنامة، ومن دون أن يمنع فريق «14 آذار»، أن يساهم، بحجم طاقته الضئيلة، فى الحرب السورية، اعلاما وتذخيرا وحماية. علما أن عبور «حزب الله» إلى الإقليم لا يقاس ابدا بعبور حميم ولكن ضئيل الفاعلية والحضور، لتيار 14 آذار.
لا حل وسط مع النأى بالنفس، خاصة وأنه مأمور به من قبل السعودية، بتفسير جامع مانع، يفرض على فرقاء «الدولة اللبنانية» أن يتقيدوا وإلا.. خصوصا وأن التفسير الايرانى المفترض، هو القبول، بالنأى بالنفس سياسيا عن الاقليم، مع بقاء كل طرف من الاطراف اللبنانية فى «خندقه».
المفروض أن يأتى الحل مقنعا لكل من السعودية وإيران، وما بين الاثنين حرب متنقلة، يقال إنها فى بداياتها، ولن تجد متنفسا سلميا قبل حل يجترحه الطرفان، عند جلوسهما إلى طاولة التفاوض… لا أحد يتنبأ بموعد قريب أبدا. يقال: المعركة ضد التوسع الايرانى استجدت مع اقتران ذلك بالتهديد الأمريكى المزدوج، حيث إيران الصاروخية ممنوعة والأذرع الايرانية إرهابية. النووى لا يزال محروسا أوروبيا ودوليا.
الحل، أبعد من الصياغة الحكومية. المطلوب أن تتقيد الأطراف اللبنانية بحذافير عدم التدخل العسكرى والأمنى بالصراعات الاقليمية. هذا أمر يُلزم «حزب الله» بأن يقول فى سوريا: وداعا للسلاح. وفى العراق، وداعا للحشد الشعبى، وأن يقول لليمن قفا نبكِ، وهذا يعنى، توطئة لسلاح انعزالى على الطريقة اللبنانية، وتمهيدا لوضعه على الطاولة، إن همَّت اسرائيل بحرب مدعومة عربيا ودوليا. تاريخ حزب الله لم يُفصح مرة عن تراجع فى ميدان التسلح وميادين المقاومة المسلحة، تحريرا مديدا وصدا لعدوان مرير. تاريخه يشى بأنه يستعد لليوم الذى تُقرع فيه أجراس العودة، حيث تكون الجبهة اللبنانية، وربما السورية، فى مرمى مقاتلين «أمميين» شيعيا، قادمين إلى لقاء الحسم، من أصقاع الدنيا، حيث للتشيع مؤمنون بالآية الدينية وبالآلة العسكرية. وقد ثبت أنه أكثر جدارة من أسلحة الجيوش، باستثناء تلك التى تمتلك الاسلحة الجوية.
يستبعد مثل هذا الحل، وإن كان فى الواقع، بوادر عودة المقاتلين بعد تأدية واجبهم بالانتصار فى العراق وبوادر الحسم فى سوريا. فتفسر العودة عند «حزب الله» أمرا عسكريا فيما يرى فيها الخصم انسحابا بناء على رغبة وتحت الضغط الإقليمى والداخلى. تبقى اليمن، قضية القضايا، لأنها الحديقة الخلفية للسعودية، وممنوع اللعب فيها.
حزب الله هناك، فكيف يقنع خصومه فى لبنان بأنه ليس هناك، خاصة وأن من يحدد هذه المسألة هو السعودى. فالمعركة بدأت من هناك سعوديا. هى الوصى وهى الولى ولها الكلمة الفصل فى اعتبار اليمن نظيفة من سلاح حزب الله، الكلاسيكى والمتطور. وبرغم ذلك عليك أن تجد حلا.
استراتيجيا، هذه خطوة إلى الوراء بالنسبة للمقاومة الاسلامية. سلاح المقاومة لبنانى، ولكنه على صلة بالأمة، بالعرب وإيران. من يدرى ما سيكون الفصل التالى، بعد استتباب النأى بالنفس بلا زعل؟ قد لا يكتفى النائون بأنفسهم بذلك، فيبادرون إلى طرح الاستراتيجية الدفاعية حيث ستكون إمرة السلاح بيد الدولة. والدولة مائدة يتحلق حولها مسئولون يمثلون السعودى والايرانى والفرنسى والأمريكى والدولي.. وربما الاسرائيلى، أو أحد أصدقائها.
عندها، يتحول حزب الله إلى ميليشيا مكشوفة، وهذا من المنامات التى تراود فقط أصحاب الصَرع السياسى. المقاومة لن تتنازل وهى فى حالة انتشاء وانتصار، وتستعد للأكثر. فابحثوا عن حل للبنان، يشبه النأى بالنفس، بما تيسر من التزام.
الحل الوسط يُنقذ لبنان، ولكنه لا يُرضى السعودية.
الطقس السياسى غائم، وقد يصير عاصفا، أو قد يكون بين بين.
المعجزة تحتاج إلى نبي…ابحثوا عنه، فلن تجدوه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved