المعارضات العربية.. والأحضان المسمومة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 2 أغسطس 2016 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

الوثائق والشهادات التى نشرتها صحيفة اللوموند الفرنسية قبل أيام لقادة الجيش السورى الحر، تدين إدانة واضحة السياسة الأمريكية التى خذلت وخانت المعارضة السورية خصوصا تلك المصنفة معتدلة.

فى تقديرى ومن دون ادعاء الحكمة بأثر رجعى، فإن المعارضة السورية أخطأت خطأ قاتلا، حينما لجأت إلى عسكرة معارضتها، لأنها سمحت لكل الإرهابيين بالقدوم إلى سوريا، ومكنت نظام بشار الأسد من استخدام أقصى درجات القوة. عندما تحمل السلاح فلا يحق لك أن تشكو لاحقا من أن خصمك استخدم قوة مساوية أو أشد.

ليس ذلك هو موضوعنا، لكن القصة الأصلية هى رهان العديد من القوى السياسية العربية المعارضة على أوهام المساعدات الخارجية، خصوصا الأمريكية.

النموذج السورى يقول لنا إن استدعاء المعارضة وفصائلها المسلحة المختلفة بالخارج قدم أفضل خدمة للنظام السورى، وصارت سوريا ملعبا لكل القوى الإقليمية والدولية تجرب فيه أسلحتها وتحالفاتها ومؤامراتها ضد سوريا وكل المنطقة العربية. صار هناك مقاتلون ومسلحون وإرهابيون من كل بقاع الأرض تقريبا، الخاسر الأكبر هو الشعب السورى المغلوب على أمره.

صارت هناك ميليشيات تحلم بتطبيق نماذج ما أنزل الله بها من سلطان. ميليشيات لا يشغلها أن يتم تدمير كل سوريا من أجل أوهام أو أفكار أو مشاريع طوباوية أو عبثية. ميليشيات سنية وشيعية قررت أن تستأنف خلافات وثأرات منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة، غير متعظة من كل حوادث ووقائع التاريخ. المشكلة إن السياسة العربية لا تتعظ من التاريخ البعيد أو القريب. كان مفروضا أن تدرك المعارضة السورية الدرس العراقى القريب والمباشر.

قبل ١٣ عاما حملت الدبابات الأمريكية المعارضة العراقية فى المنافى خصوصا المقيمين فى طهران ولندن وواشنطن إلى بغداد خلال الغزو الهمجى الأمريكى البريطانى للعراق فى مارس ٢٠٠٣، وقالوا لنا وقتها إن العراق سيتحول إلى واحة ونموذج للديمقراطية ستتغنى به المنطقة والعالم. وكلنا يعرف النتيجة الآن حيث صار الصراع للأسف مذهبيا بين السنة والشيعة وعرقيا بين العرب والأكراد وطائفيا بين المسلمين والمسيحيين، والأخطر أن خطر التقسيم يخيم على البلاد. وصارت إيران هى اللاعب الرئيسى فى هذا البلد العربى الكبير.

فى ليبيا استعانت المعارضة المدعومة خليجيا بالأساس بالقوات الأمريكية وبقية قوات حلف الناتو، لإسقاط القذافى، وانتهى الأمر إلى دويلات وكانتونات وميليشيات ماتزال تعيث فسادا فى ليبيا، التى كانت تعانى أساسا من عدم وجود مؤسسات.
فى اليمن لجأ الجميع إلى السلاح ثم انقلب الحوثيون على الشرعية واستعانوا بإيران التى سرقت البلد بأكمله، ثم تدخلت السعودية وبعض دول الخليج والمنطقة، لوقف تحويل هذا البلد المهم إلى حديقة خلفية إيرانية للعبث بالمنطقة، بطلب من بقية مكونات الشعب اليمنى، وانتهى الأمر إلى حرب أهلية مستمرة منذ مارس قبل الماضى.

غالبية المعارضات العربية اعتقدت وهما أن الخارج خصوصا الغرب يريد أن يخدمها حبا فى سواد عيونها أو بحثا عن الديمقراطية، لم تفكر أن هذا الغرب له أجندات مختلفة، ولم تفكر فى احتمالية وجود «أيدٍ إسرائيلية» تعبث فى المنطقة بأكملها، واندفعت بحماقة منقطعة النظير حتى اكتشف بعضها أنه ينام فى الأحضان الإسرائيلية المسمومة، وليس فقط الأحضان الأمريكية والأوروبية أو حتى الروسية. الغرب لا يفكر كثيرا فى حكاية الديمقراطية بالنسبة للعرب، هو يريد مصالحه، لا يشغله إذا تحققت مرة عبر المشاركة الديمقراطية ومرة عبر الاستبداد. انظروا إلى حقيقة تحالفات هذا الغرب فى المنطقة منذ عشرات السنين وحتى هذه اللحظة، وسوف تفيقون وقتها على الحقيقة المرة. وتأملوا ما قاله مدير المخابرات الأمريكية جون برينان قبل أيام بكل هدوء: «إن سوريا التى نعرفها لن تستمر فى أغلب الظن موحدة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved