مرات القنصل

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الجمعة 2 مارس 2012 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

«إنتِ كده بتسيئى لسمعة مصر، وأنا أعرف مرات القنصل وهاقولها»، كان هذا هو تصريح المواطنة المصرية الغيورة على بلدها ــ (و الواصلة بما أنها تعرف مرات القنصل لزم) ــ لى بعد مناقشة أقيمت فى مدينة من المدن الأوروباوية الكبيرة، أقولكم الصراحة أنا خفت، على الرغم من إنى مرات عديدة اتريقت على العائلة المباركية فى أوج قوتها دون خوف، وانتقدت وزارة الداخلية والخارجية والصحة والبيئة كمان (ماتخافش مش هاقولك أنا السبب فى قيام الثورة)، لكن المرة دى الصراحة خفت لأنى مش فاهمة بالتحديد السيدة المحترمة مرات القنصل بتشتغل إيه بالظبط؟ خلينى أحكيلكم الموضوع من أوله، جرت العادة على أن يعتبر بعض المصريين فى الخارج أنفسهم ممثلون لشعب مصر بأكمله، فتجد الشخص منا حتى لو قرفان من العيش والعيشة واللى عايشينها إلا أنه لا يمكن يُسأل عن بلده فى الغربة إلا وتنطلق من قلبه قصائد حب تتضاءل بجانبها قصائد نزار قبانى وقصص عشق يفوق التهابها المسلسلات التركية وأغانى غرام يخجل منها تامر حسنى (لو لسه عنده القدرة إنه ينكسف)، هذا الشعور بالفخر طبعا تضاعف بعد الثورة أضعافا مضاعفة. أتذكر أول مرة زرت فيها أوروبا بعد الثورة وسألتنى واحدة على جنسيتى وقلتلها مصرية فرفعت ذراعها بشكل تلقائى كأنها بتهتف وسألتنى بسعادة إذا كنت بجد من مصر (اللى هى بتعمل كدا هو؟)... كانت أحداث هذه المقابلة السنة الماضية، أما آخر زياراتى اللى كنت من أيام قليلة فحسيت فيها إن الوضع اختلف، فى الندوة اللى أقيمت فى حضور عدد كبير سمعت أسئلة من نوعية» يا مسكينة!، يا ترى حطيتى خطة لطلب اللجوء السياسى لأى بلد والا لسه؟، والحجاب اللى انتى حطاه على راسك ده لبساه عشان تخبى ودانك المقطوعة؟، هم الإخوان إدوا الرجالة الحق إنهم يجلدوا الستات فى مصر خلاص؟، صحيح السلفيين ناويين يرجموا أى واحدة تلبس بنطلونات؟ «فى الحالة دى من الأسئلة الغريبة والتصورات المبالغ فيها بيبقى عندك حل من اتنين: يا إما تنفى بكل ما أوتيت من قوة لحد ما تحس إنك أقنعت الموجودين (اللى هم غالبا ما بيقتنعوش بالسهولة دى)، أو إنك تقول الحقيقة فتعترف بالسلبيات وتؤكد على الإيجابيات وتذكر الحاضرين إن كل بلد فيها اللى فيها فيخرج كلامك متوازنا ويكون مقنعا وفى نفس الوقت صريح.

 

أنا اخترت الطريقة التانية وحاولت أفهم إخواتنا الفرنجة إن العلاقة بين الرجل والمرأة فى مصر عمرها ما هتتحول لشكل علاقتهم ببعض فى أفغانستان مثلا، صورة الرجالة العرب البعابع اللى بيجلدوا ستاتهم ويحطوا السيخ المحمى فى طبلة ودنهم (مرحلة ما بعد الصرصور) اللى بيشوفوها فى الأفلام الأمريكية الدرجة التالتة مش موجودة عندنا فى مصر، أو على الأقل ما عندناش منهم كتير، حكيتلهم عن أقوى أسلحة المرأة المصرية وأكثرها تطورا وهو الشبشب أبو وردة واللى بتستخدمه بعضهن عند اللزوم، أما عن أسئلتهم عن تعدد الزوجات واللى بينتظروا عليها إجابات مطابقة لأفلام رحلة السندباد السابعة، فبعون الله شرحتلهم حقيقة أن الرجل المصرى لا يجرؤ على ارتكاب خطأ الزواج بأخرى لأن المصرى الحكيم بطبعه لا يلدغ من جحر مرتين. وبعد المناقشة التى حرصت فيها على تنفيذ نصائح الوالدة (رحمها الله) اللى دايما كانت بتنصحنى إن لما يبقى عندنا مشاكل فى بيتنا نقفل علينا بابنا ونحلها وما ندورش نشكى للجيران، إلا أن المواطنة المصرية المنزعجة من إجاباتى (واللى يبدو أنها كانت منتظرة منى بكائية تستدر عطف الأجانب على المصريات المضطهدات من الإخوان والسلفيين) صرحت عن تهديدها ليا بأنها هتقول لـ«مرات القنصل»، ماعنديش طبعا أى فكرة عن طبيعة السيدة الفاضلة زوجة قنصل مصر فى هذه الدولة الأوروبية، ولا عندى أى دليل على أنها بالفعل بتخوف أو ليها سلطة ما على اللى المفروض يتقال أو ما يتقالش على لسان المصريين فى بلاد الفرنجة، أفترض أنها سيدة محترمة وما تعرفش إن اسمها ومركزها بيستخدم من البعض بالطريقة دى ،لكن اندهاشى كان من السيدة المعترضة نفسها اللى بتستخدم أسلوب فى الاعتراض عفا عليه الزمن وإن اعتاده المصريون على مدار سنوات عديدة. وليه تقول للإنسان اللى انت مختلف معاه إنك مختلف معاه طالما تقدر تخوفه بحاجه أو حد بعيد عنك وتخلص، تخوفه بأبو رجل مسلوخة أو بأمنا الغولة أو بناظر المدرسة أو بمديرك فى الشغل أو بمخبر القسم أو بأمن الدولة أو بمرات القنصل أو بالقنصل نفسه. ثقافة الحوار مع التلويح بالخزرانة للأسف لسه متغلغلة فى نفوس مصريين كتير، بينسوا إن الحوار أحسن طريقة لتقريب وجهات النظر، بينسوا إن زمن التلويح بعقاب «الكبير» بينتهى قدام عينينا حاليا. بينسوا إننا لو ما اتعلمناش إزاى نتناقش وإزاى نختلف مسيرنا هننجر لمصير دول كتير عاشت سنين بتدفع تمن انعدام ثقافة الحوار فيها دم قبل ما تدفعه فلوس. بينسوا إن نسيانهم لكل ده وإصرارهم على استخدام هذا الأسلوب الترهيبى القمعى (حتى وإن كان القمع معنويا فقط) هو الشىء اللى فعلا بيسىء لسمعة مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved